وقال الحافظ ابن رجب: وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه أنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه. (٢)
[البحث الثالث: موقف الأئمة تجاه الغرائب.]
لقد وردت عبارات كثيرة عن أئمة الحديث تذم طلب الأحاديث الغريبة وتتبعها، بل جعلوا ذلك سببًا لتجريح الرواة والقدح فيهم؛ وذلك لكون هذه الأحاديث مظنَّة الوهم والخطأ، وأكثرها مِمَّا لا فائدة فيه.
قال أبو داود: سمعت أحمد، وذكر له حديث بريد هذا، فقال أحمد: يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً، أحاديث ضعيفة، وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا. قال: هذا شيء لا تنتفعون به، أو نحو هذا الكلام.
قال ابن رجب: وإنَّما كره أحمد تطلب الطرق الغريبة الشاذة المُنكرة، وأما الطرق الصحيحة المحفوظة فإنه كان يحث على طلبها. (٣) وقَالَ إِبْرَاهِيمَ النَّخعي: كَانُوا يَكْرَهُونَ غَرِيبَ الْكَلَامِ وَغَرِيبَ الْحَدِيثِ. (٤) وَقَالَ مَالِكٌ: شَرُّ الْعِلْمِ الْغَرِيبُ، وَخَيْرُهُ الظَّاهِرُ الَّذِي قَدْ رَوَاهُ النَّاسُ. (٥) وَقَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: كُنَّا نَرَى أَنَّ الْغَرِيبَ خَيْرٌ، فَإِذَا هُوَ شَرٌّ. (٦)