الوجه الثالث: عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن عَلِي.
ورواه عن عَطَاءٍ بهذا الوجه: ابْنِ جُرَيْجٍ، ولم يصرح بالسماع فلا يُقبل منه ما راوه بالعنعنة.
وعلي هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الوجه الثاني هو الوجه الراجح وذلك للقرائن الأتية:
١) رواية الأكثر عدداً: فقد رواه بهذا الوجه اثنان من الرواة وهذا بخلاف الوجهين الأخَرَيْن.
٢) رواية الأحفظ: فقد رواه بهذا الوجه عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وهو ثقة ثبت كما قال ابن حجر، ورواه أيضاً ابْنِ جُرَيْجٍ وهو: ثقة يرسل ويُدلس فلا يُقبل ما راوه بالعنعنة إلا إذا صرح فيه بالسماع، وقد صرح في هذا الوجه بالسماع، وهذا بخلاف الوجه الثالث فلم يُصرح فيه بالسماع.
٣) المتابعات: فقد أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عَلِي كما سيأتي بيان ذلك في الحكم علي إسناد الحديث.
٤) ترجيح الأئمة:
- قال العقيلي: حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ أَوْلَى. (١) قلت: يعني حديث ابْنِ عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشِ بْنِ أَنَسٍ، عن عَلِي بن أبي طالب ـــــ الوجه الثاني ـــــ.
- وقال الدارقطني: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ دِينَارٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (٢)
- وقال الذهبي: عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن إياس بن خليفة، عن رافع بن خديج، ورواه جماعة عن عطاء، فقال: عن عائش بن أنس. (٣) قلت: وفي كلام الذهبي دلالة ضمنية أو إشارة إلي أن عطاء، عن عائش بن أنس هو الوجه الراجح، والله أعلم.
رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:
الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ إسناده "شاذ" وذلك لمخالفة الثقة لما رواه الثقات.
وأما الحديث بالوجه الثاني ـــ الراجح ـــ فإسناده "ضعيف" فيه: عَائِش بْن أَنَس: قال فيه ابن حجر: مقبول. قلت: لكن للحديث شواهد في الصحيحين من حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: فِيهِ الوُضُوءُ.
وعلي هذا فيرتقي الحديث بشاهده من الضعيف إلي الحسن لغيره، والله أعلم. (٤)
وأما الحديث بالوجه الثالث ـــــ المرجوح ـــــ فإسناده "ضعيف" فيه: ابْن جُرَيْج: لم يصرح فيه بالسماع.
خامساً: غريب الحديث:
(١) يُنظر "الضعفاء الكبير" للعقيلي ١/ ٣٤.
(٢) يُنظر "العلل" للدارقطني ٤/ ٨١.
(٣) يُنظر "ميزان الاعتدال" للذهبي ١/ ٢٨٢.
(٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" ك/ الوضوء ب/ مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ (١٣٢)، وفي ك/ الغسل ب/ غَسْلِ المَذْيِ وَالوُضُوءِ مِنْهُ (٢٦٩)، ومسلم في "صحيحه" ك/ الحيض ب/ الْمَذْيِ (٣٠٣).