وعلي هذا فالذي يظهر مما سبق والله أعلم أنَّ الوجه الثاني هو الوجه الراجح وذلك للقرائن الآتية:
١) رواية الأحفظ: فَرَاوِيَة الوجه الثاني وهو: أَبو حَنِيفَةَ أحفظ وأوثق من رَاوِيَة الوجه الأول.
٢) ترجيح الأئمة: قَالَ النسائي: أَبُو حَرِيزٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَحَدِيثُهُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. (١) قلت ــــــ الباحث ـــــ وفي قول النسائي هذا تصريح ضمني بعدم صحة الوجه الأول.
٣) … نكارة المتن: قلت: فالحديث بالوجه الأول متنه منكر حيث دل علي أن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَة يعْدِل صَوْمِ سَنَة، وهذا خلاف المحفوظ عَنْ النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ورد في صحيح مسلم وغيره كما سيأتي أن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ.
رابعاً: الحكم علي إسناد الحديث:
الحديث بإسناد الطبراني ــــ الوجه الأول المرجوح ــــ "إسناده منكر" فيه: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الأَزْدِيُّ أَبُو حَرِيزٍ: ضعيف وخالف رواية الثقة. وقَالَ النسائي: أَبُو حَرِيزٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَحَدِيثُهُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وفيه أيضاً: أَحْمَدُ بْنُ بَشِيْر الطَّيَالِسِيُّ: فيه لين.
وأما الحديث بالوجه الثاني ــــ الراجح ــــ صحيح من قول سَعِيد بْن جُبَيْر.
قلت: وقد جاء الحديث من طريق مُجَاهِد، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر مرفوعاً (٢) لكن في سنده: قُطْبَة بْن الْعَلَاءِ: قال البخاري: ليس بالقوي، وقال النسائي، والعجلي: ضعيف، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به. (٣)
قلت: وقد صح الحديث مرفوعاً إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم وغيره من حديث أَبِي قَتَادَةَ قال: رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ....... ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ...... وفي رواية: قَالَ: وَسُئِل عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ. (٤)
وعلي هذا فيرتقي الحديث بشواهده من الضعيف إلي الحسن لغيره.
خامساً: النظر في كلام المُصَنِفْ:
(١) يُنظر "السنن الكبرى" للنسائي ٣/ ٢٢٨.
(٢) أخرجه تمام في "فوائده" (١٥٨٤)، وابن جُمَيْع الصيداوي في "معجم الشيوخ" (١/ ٢٣٨)، عَنْ قُطْبَة بْن الْعَلَاءِ الْغَنَوِي، عَنْ عُمَر بْن ذَرٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يَعْدِلُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً مُتَقَبَّلَةً، وَسَنَةً مُتَأَخِّرَةً.
(٣) يُنظر "الضعفاء والمتروكون" للنسائي ١/ ٢٢٨، "الجرح والتعديل" ٧/ ١٤١، "لسان الميزان" ٦/ ٣٩٦.
(٤) أخرجه مسلم في "صحيحه" ك/ الصيام ب/ اسْتِحْبَابِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ (١١٦٢).