وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع. والمختار عند محققي الطائفتين: أنها تقتضيه؛ لأن الظاهر أن المراد بالأمر من قوله: الأمرُ الشرعيُّ الذي يلزم اتباعُه، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى: أن التقدير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف، فيقوى جانب الرفع جدًّا (١).
(بلالٌ) -بالرفع- نائب فاعل، ووقع في رواية روح بن عطاء: فأَمَرَ بلالًا - بالنصب (٢) -، وفاعل أمر هو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من غير لَبْس، كما تشهد به الأخبارُ الصحيحة الصريحة.
أسلم قديمًا، فعذبه قومه، وجعلوا يقولون: ربُّك اللَّاتُ والعزَّى، وهو يقول: أَحَدٌ أَحَد، فمرَّ الصدِّيقُ وأميةُ بنُ خلفٍ الجمحيُّ يعذبه، فلامه على ذلك، فقال: اشترِهِ، فاشتراه أبو بكر - رضي الله عنه - بسبعة أواق، ويقال: بخمسة أواق، فأعتقه.
(١) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (١/ ١٧٦)، و"فتح الباري" لابن حجر (٢/ ٨٠). (٢) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "كتاب الأذان "، كما عزاه إليه ابن حجر في "فتح الباري" (٢/ ٨٠)، والعيني في "عمدة القاري" (٥/ ١٠٣). قلت: وقد رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (٣٦٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٣٩٠)، وغيرهما من الطريق نفسه الذي رواه أبو الشيخ، فقالا: "فأُمِرَ بلالٌ" -بالرفع-.