(عن) أبي العباس (سهلِ بنِ سعدٍ الساعديِّ) الخزرجيِّ الأنصاريِّ (- رضي الله عنه -)، وتقدمت ترجمته في باب: صلاة الجمعة: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: رباطُ يوم) من الأيام (في سبيل الله).
الرباط: مصدر رابطَ رِباطًا ومُرابطة: إذا لزمَ الثغرَ مُخيفًا للعدوِّ، وأصلُه من ربطِ الخيل؛ لأن كلًا من الفريقين يربطون خيلَهم مستعدين لعدوهم (١).
قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: ٢٠٠].
قال زيد بن أسلم: أي: اصبروا على الجهاد، وصابروا العدو، ورابطوا الخيل على العدو (٢)(خيرٌ من الدنيا)؛ أي: ثوابُها أفضلُ من نعيم الدنيا كلِّها لو تصور أن إنسانًا ملكَها وتنعَّم بها كلها؛ لأنه زائل، ونعيم الآخرة باقٍ.
قال القرطبي: وهذا منه -عليه السلام- إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا، وأما على التحقيق، فلا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفضل إلا كما يقال: العسلُ أحلى من الخَل.
وقيل: معنى ذلك: ثوابُ رباطِ يوم في سبيل الله أفضلُ من الدنيا لو ملَكَها مالكٌ فأنفقَها في وجوه البِرِّ والطاعة غيرِ الجهاد. قال: وهذا أليق. والأول أسبق، انتهى (٣).
وقال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المُغَيَّب منزلةَ المحسوس؛ تحقيقًا له
(١) انظر: "المطلع على أبواب المقنع" لابن أبي الفتح (ص: ٢١٠). (٢) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (٤/ ٢٢١). (٣) انظر: "المفهم" للقرطبي (٣/ ٧١٠).