أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، قال: واحتجّ محمد بحديث عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُهدي له ضب، فلم يأكله، فقام عليهم سائل، فأرادت عائشة أن تعطيه، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتعطيـ[ـنـ]ـه ما لا تأكلين؟! "(١).
قال الطحاوي: ما في هذا دليل على الكراهة؛ لاحتمال أن تكون عافته، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أَلَّا يكون مما يتقرب به إلى الله تعالى إلا من خير الطعام؛ كما نهى أن يتصدق بالتمر الرديء، انتهى (٢).
وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن الضب، أخرجه أبو داود (٣) بسندٍ حسن كما في "الفتح"(٤).
ورد على الخطابي قوله: ليس إسناده بذاك (٥)، وعلى ابن حزم في قوله: فيه ضعفاء ومجهولون (٦)، وكذا على البيهقي في قوله: تفرد به إسماعيل بن عياش، وليس بحجّة (٧)، وقول ابن الجوزي: لا يصح (٨).
قال: ففي كل ذلك تساهلٌ لا يخفى؛ فإن رواية إسماعيل عن الشاميين
(١) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ٢٠١)، وكذا الإمام أحمد في "المسند" (٦/ ١٢٣)، وغيرهما. (٢) انظر: "شرح معاني الآثار" للطحاوي (٤/ ٢٠٠ - ٢٠١). (٣) رواه أبو داود (٣٧٩٦)، كتاب: الأطعمة، باب: في أكل الضب، من حديث عبد الرحمن بن شبل - رضي الله عنه -. (٤) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ٦٦٥). (٥) انظر: "معالم السنن" للخطابي (٤/ ٢٤٧). (٦) انظر: "المحلى" لابن حزم (٧/ ٤٣١). (٧) انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (٩/ ٣٢٦). (٨) انظر: "العلل المتناهية" لابن الجوزي (٢/ ٦٦١).