قال: وإن لم يحمل على هذا، صار الحديثان مختلفين، وكان أحدهما منسوخاً لا محالة، والأصلُ عدم النسخ، والجمعُ مهما أمكن أولى.
وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجه مرفوعاً:"إذا شربَ أحدُكم، فلا يتنفَّسْ في الإناء، فإن أراد أن يعودَ، فلينحِّ الإناَء، ثم ليعدْ إن كان يريدُ"(١).
قال الأثرم: اختلاف الرواية في هذا دال على الجواز، وعلى اختيار الثلاث.
والمراد بالنهي عن التنفس في الإناء: أَلَّا يجعل نَفَسَه داخل الإناء، وليس المراد أَلَّا يتنفس خارجه طلباً للراحة، انتهى ملخصاً (٢).
تتمة: كما أنَّ التنفس في الشراب مكروهٌ، كذلك النفخُ، فإنه مكروهٌ.
وفي حديث أبي قتادة: النهي عن النفخ في الإناء.
وله شاهدٌ من حديث ابن عباسٍ عند أبي داود، والترمذي:"أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتنفَّسَ في الإناء، وأن ينفخَ فيه"(٣).
وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدةُ أحاديث؛ لأن العلة التي لأجلها كره التنفس في الإناء -من مَظِنَّةِ تغيير المشروب بالنفس-، موجودة في النفخ بالأولى، فإن النفخ أشد من التنفس.
قال المهلب: النهي عن التنفس في الشراب، والنهي عن النفخ في الطعام والشراب؛ من أجل أنه قد يقع فيه شيءٌ من الريق، فيعافه الشارب،
(١) رواه ابن ماجه (٣٤٢٧)، كتاب: الأشربة، باب: التنفس في الإناء، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٤١٦٩). (٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (١٠/ ٩٣). (٣) رواه أبو داود (٣٧٢٨)، كتاب: الأشربة، باب: في النفخ في الشراب والتنفس فيه، والترمذي (١٨٨٨)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في كراهية النفخ في الشراب، وقال: حسن صحيح، وعندهما: "أو ينفخ فيه" بدل "وأن ينفخ فيه".