رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمانَ بنِ مظعونٍ التبتلَ) المراد بالتبتل هنا: الانقطاع عن النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة، وأما المأمور به في قوله -تعالى-: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}[المزمل: ١٨] فقد فسّره مجاهد بالإخلاص، فقال: أخلصْ له إخلاصًا (١)، وهو تفسير معنى، وإلا، فأصل التبتل: الانقطاع، المعنى: انقطعْ إليه انقطاعًا، لكن لمّا كانت حقيقة الانقطاع إلى الله -تعالى- إنما تقع بإخلاص العبادة له، فسّرها بذلك، ومنه: صدقة بتلة؛ أي: منقطعة عن الملك، وسُمِّيت مريمُ: البتول، لانقطاعها عن التزويج إلى العبادة، وقيل لفاطمة: البتول، لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف، ولانقطاع نظرها عما سوى ابن عمها عليٍّ - رضوان الله عليه (٢) -. وأراد بقوله: ردّ على عثمان؛ أي: لم يأذن له به، بل نهاه عنه، فأخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسِه: أنه قال: يا رسول الله! إني رجلٌ يشق عليَّ العزوبة، فأذنْ لي في الخِصاء، قال:"لا، ولكن عليك بالصيام"(٣).
ومن طريق سعيد بن العاص: أنّ عثمان قال: يا رسول الله! ائذنْ لي في الاختصاء، فقال:"إنّ الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة"(٤)، فيحتمل أن يكون الذي طلبه عثمانُ - رضي الله عنه - في الاختصاء حقيقة، فعبّر عنه الراوي بالتبتل؛ لأنه ينشأ عنه (٥).
(١) رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: ٢١٦)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٥٤٥٩)، وغيرهما. (٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١١٨). (٣) رواه الطَّبرانيُّ في "المعجم الكبير" (٨٣٢٥)، وكذا ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٣٩٦). (٤) تقدم تخريجه. (٥) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٩/ ١١٨).