ولأبي داود والنسائي: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أباه أو أخاه (١).
فهذه الأحاديث -مع تنوع مخارجها واتحاد معانيها- تدل دلالة ظاهرة على ما ذهب إليه الإمام أحمد؛ لأن النهي فيها وارد على نفس البيع، فلا جرم قلنا ببطلانه حيث وجدت فيه الشروط التي ذكرناها.
قال علماؤنا وغيرهم: والمعنى في ذلك: أن البادي إذا تُرك يبيع سلعته، ربما باعها برخص، وهو الغالب، فتحصل التوسعةُ على الناس، بخلاف ما إذا تولى الحاضر، فإنه لا يبيع إلا بسعر البلد، وقد أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله:"دعوا الناس يرزق اللهُ بعضَهم من بعض"(٢).
قال في "الفروع": وإن أشار حاضر على باد، ولم يباشر له بيعًا، لم يكره، خلافًا لما لك. قال: ويتوجه: إن استشاره، وهو جاهل بالسعر، لزم بيانه، لوجوب النصح، كان لم يستشره، ففي وجوب إعلامه -إن اعتقد جهلَه به- نظرٌ، بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه؟ ويتوجه: وجوبه. وكلام الأصحاب لا يخالف هذا، انتهى (٣).
= واللفظ له، لكنه قال: "وإن كان أخاه وأباه". (١) رواه أبو داود (٣٤٤٠)، كتاب: الإجارة، باب: في النهي أن يبيع حاضر لباد، والنسائي (٤٤٩٢)، كتاب: البيوع، باب: بيع الحاضر للبادي، لكن بلفظ الشيخين سواء. ورواه بلفظ: "وإن كان أخاه لأبيه وأمه": ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٠٩٠٥). (٢) تقدم تخريجه قريبًا. وانظر: "المغني" لابن قدامة (٤/ ١٥٠)، و"شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (٣/ ١٦٠). (٣) انظر: "الفروع" لابن مفلح (٤/ ٣٥).