فأما قولهم: إن الوجه مشتق مما تقع به المواجهة؛ فليس كذلك بل الوجه مشتق من الوجاهة والتقدم، قال الله ـ تعالى ـ في موسى: ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ (١) أي: متقدماً مرتفعاً، ويقال: قد توجه فلان عند السلطان؛ إذا ارتفعت منزلته، ويقال: فلان وجْه العرب، ووجْه العشيرة؛ أي: متقدمها، ويقال: هذا وجه الرأي؛ أي: صوابه،/ وإنما سمي الوجه بذلك، لأنه أشرف أعضاء البدن، لأنه يجمع الحواس من البصر، والسمع، والشم، والذوق، ويشارك بقية البدن في اللمس.
فأما المواجهة فهي المشتقة من الوجه، يقال: تواجها بكذا، إذا كان وجهه حذاء وجهه، فاشتقت المواجهة من مقابلة الوجه، ولم يشتق الوجه من المواجهة.
يدل على ذلك: أن المواجهة تقع بالصدر والبطن ولا يسميان وجهاً حقيقة، وإذا خدشته في [ذقنه](٢) أو لحيته قيل: قد جرح وجهه، والمواجهة لا تقع بذلك فإنه مستور بالشعر.
وقال الأصمعي (٣)، والمفضل بن سلمة (٤): ما جاوز وتد الأذن
(١) الأحزَاب: ٦٩. (٢) ما بين المعكوفين مطموس في الأصل، وقد استظهرته من الانتصار ١/ ٢٨٤. (٣) عبد الملك بن قُرَيْب بن عبد الملك بن علي، أبو سعيد الباهلي الأصمعي البصري، صاحب اللغة، قيل: اسم أبيه عاصم، ولقبه قريب، كان إمام زمانه في علم اللسان، وكان صاحب لغة ونحو، وإماماً في الأخبار والنوادر والملح والغرائب، وكان شديد الاحتراز في تفسير الكتاب والسنة، فإذا سئل عن شيء منهما يقول: العرب تقول معنى هذا كذا، ولا أعلم المراد منه في الكتاب والسنة أي شيء هو. له تصانيف كثيرة منها: كتاب خلق الإنسان، والمقصور والممدود، والأجناس، وما اختلف لفظه واتفق معناه، وغير ذلك من الكتب. وأكثر تصانيفه مختصرات، توفي سنة ٢١٥ هـ، وقيل غير ذلك. [ينظر: وفيات الأعيان ٣/ ١٧٠، تاريخ الإسلام ٥/ ٣٨٣]. (٤) المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب البغدادي الأديب اللغوي، كوفي المذهب، مليح الخط، لقي ابن الأعرابي وغيره من العلماء، واستدرك على الخليل في كتاب العين وخطأه، له كتاب الفاخر فيما يلحن فيه العامة، وكتاب ضياء القلوب في معاني القرآن، وكتاب المدخل إلى علم النحو، وكتاب الخط والقلم. [ينظر: نزهة الألباء ص ١٥٤، وفيات الأعيان ٤/ ٢٠٥، تاريخ الإسلام ٦/ ٨٣٨].