فعلامَ يأكل أحدكم مال أخيه» (١)، وقال لحبان:«قل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثاً»(٢) أي: لا خَديعة، ونهى عن النجش، وهو: أن يزيد من ليس بنيته الشراء؛ ليغر صاحبه.
وجميع هذا إذا تأمل المنصف مقصوده علم أنه وضع لنفي الغبن والخديعة، وأن لا يظلم الإنسان أخاه ليأكل ماله بغير رضاه، وهذا هو الذي أثبتنا لأجله الخيار في مسألتنا، بل في مسألتنا أولى؛ لأن المسترسل أمن صاحبه وألقى إليه مقاليده، ولم يحترز منه، فظلمه وغشه وحاف عليه بما لم تجر العادة به؛ فكان النظر لهذا المظلوم بإبطال عرض ظالمه أولى مما شرع وأمنع.
احتجوا:
بخبر حبان، وقول النبي ﵇ له لما ذكر له أنه كان يخدع في البيع:«قل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثاً».
/ ولو كان الغبن يثبت خياراً حكماً لما أخرجه إلى شرط ولا قول، وما تعين قوله:«لا خِلابة»، مع كون الشرع قد أزال حكم الخلابة بما ثبت له من الفسخ بها، ألا ترى أن الخيار الثابت في المجلس عندكم وعند من وافقكم (٣)، وخيار العيب عند الجماعة (٤) لمّا ثبت شرعاً وحكماً لم يحتج إلى قول ولا شرط.
(١) أخرجه النسائي، كتاب البيوع، باب وضع الجوائح ٧/ ٢٦٥، ح ٤٥٢٨ من طريق ابن جريج يحدث، عن أبي الزبير المكي، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله ﷺ قال: «من باع ثمراً فأصابته جائحة، فلا يأخذ من أخيه»، وأخرجه مسلم، كتاب الطلاق، باب فضل الغرس والزرع ٣/ ١١٩٠، ح ١٥٥٤ من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: قال رسول الله ﷺ: «لو بعت من أخيك ثمراً، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟». (٢) سبق تخريجه. (٣) تقدّم توثيقة. (٤) ينظر للحنفيّة: بدائع الصنائع ٥/ ٢١٩، الجوهرة النيرة ١/ ١٩٧. وللمالكيّة: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب ٥/ ٤٣٠، ٥٢٤. وللشافعيّة: الأم ٣/ ٣، المجموع ٩/ ١٣٩. وللحنابلة: الإنصاف ٤/ ٤٠٥، الفروع ٤/ ١٠٠.