فإن قيل: لا حجة لكم في هذا الحديث؛ لأن الأعرابي كان صائماً؛ لأنه قال: هل أتيت إلا من الصوم؟
قلنا: ذلك علم بعد إيجاب الكفارة بقوله: «أعتق رقبة»، وهذا قاطع.
والفقه في المسألة أنا نقول: وطء محرّم لحرمة رمضان، فوجب به الكفارة، دليله: الوطء الأول، والوصف مناسب، فإن هناك حرمةَ رمضان بجماع، صالحة لإيجاب الزاجر، وهو الكفارة، وليس في الأصل زيادة مؤثرة على وجوب الإمساك، وتحريم حرمة الإمساك بالوطء؛ وهذا لأن الكفارة تجب لحرمة الزمان دون الصيام بدليل أنه لو طلع الفجر وهو مولج فاستدام وجبت الكفارة، ولا صوم هناك، وبدليل: أن الوطء إذا وجد في قضاء رمضان لا كفارة لأجل عدم زمان رمضان، وكذلك صيام النذر، والكفارة، والتطوع، وإذا ثبت أن الكفارة تجب لحرمة الزمان، فالحرمة موجودة، فينبغي أن تجب الكفارة، ودليل بقاء الحرمة: تحريم الجماع، ووجوب الإمساك على هذا الشخص، يدل عليه أنّا نأمر بالإمساك من لا يُعتدّ بإمساكه بحرمة رمضان، وهو الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما، وكذلك الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق، والمسافر إذا قدم، فأما من هَمَّ بالإمساك بعد زوال أعذارهم، ولا يلزمنا على الطريقة من أفطر لعذر من مرض، أو سفر، أو جنون، أو كفر، ثم زال العذر في بعض النهار، فإنا إن قلنا: يلزمه إمساك بقية يومه فوطئ فعليه الكفارة، وقد قال أحمد ـ فيما رواه حنبل ـ في مسافر قدم في آخر النهار فواقع أهله قبل الليلة: عليه القضاء والكفارة، وإن قلنا: لا يلزمه الإمساك ـ على ما رواه ابن منصور ـ فالوطء/ هناك غير محرم (١)، ولا يلزم إذا لم يكن قد كفّرَ؛
(١) في حكم الإمساك بقية اليوم لمن يباح لهم الفطر إذا زالت أعذارهم أثناء النهار؛ روايتان عن الإمام أحمد: إحداهما: يلزمهم الإمساك، وقد نص على ذلك المروزي. [ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رواية المروزي ٣/ ١٢٣٥]. والثانية: لا يلزمهم، وهو مفهوم ما ذكره المروزي. [ينظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رواية المروزي ٣/ ١٢٢١، مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ ١/ ١٣٢، الإنصاف ٣/ ٢٨٣]. وحكم من جامع من هؤلاء مبني على القول بلزوم الإمساك وعدمه، قال المرداوي في الإنصاف ٣/ ٢٨٤: «إذا قلنا لا يجب الإمساك فقدم مسافر مفطراً فوجد امرأته قد طهرت من حيضها جاز أن يطأها»، وقال ابن قدامة في المغني ٣/ ١٤٦ «فإذا جامع أحد هؤلاء بعد زوال عذره، انبنى على الروايتين في وجوب الإمساك؛ فإذا قلنا يلزمه الإمساك فحكمه حكم من قامت البينة بالرؤية في حقه إذا جامع، وإن قلنا لا يلزمه الإمساك فلا شيء عليه».