للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنقول: إن قبول الرخصة وإن كان أسهل يجوز أن يكون أفضل؛ وذلك لأن الثواب بالاستجابة، والأفضل ما كان موافقاً للأمر، والنفوس لله ـ سبحانه ـ، وقد يكون قصده ـ سبحانه ـ في بعض الأوقات الرفق بها، وفي بعض الأوقات العسف على ما تراه من الأصلح لمن يرى له الصلاح في ذلك، ألا ترى أنه حرّم علينا أذية نفوسنا، كما حرم علينا أذية أغيارنا، وعاقبنا على فعل ما يؤذيها به بحسب واقعنا، كالقيام في الشمس، والامتناع عن الأكل والشرب على الوجه الذي أمر، وإن كان يشابه الصوم الذي به أمر، وسمى ذلك الإفراط في التعبد رهبانية مبتدعة، وذمها بقوله: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ (١)، وقال : «لا رهبانيّة في الإسلام» (٢)، ولهذا قلنا نحن، وأبو حنيفة: إن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي للعبادة (٣)، ومعلوم ما في العبادة/ من المشقة، وفي النكاح من اللذة، والشهوة؛ ولذلك جعل الشارع الصوم في أيام مخصوصة معصية، وقال: «إنها أيام أكل وشرب وبِعَالٍ» (٤)، حتى قال الشافعي: لا يصح نذرها (٥)، وخرجت هذه الأيام عن محلّة الصوم، ولهذا جعل السحور سنّة وقربة، وهو أكل وتلذذ (٦)، وشرع البداءة بالعشاء، والخلاء قبل الصلاة تقديماً [لحقوقنا] (٧) على حقوقه.


(١) الحَديد: ٢٧.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) ينظر للحنفيّة: المبسوط ٤/ ١٩٣، بدائع الصنائع ٢/ ٢٢٩. وللحنابلة: المبدع ٧/ ٤، الإنصاف ٨/ ١٥.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الحج، باب من قال أيام التشريق أيام أكل وشرب ٣/ ٣٩٤، ح ١٥٢٦٥، وإسحاق بن راهويه في مسنده ٥/ ٢٦٦، ح ٢٤١٩، والبيهقي في شرح معاني الآثار، كتاب مناسك الحج، باب المتمتع الذي لا يجد هدياً ولا يصوم في العشر ٢/ ٢٤٥، ح ٤١١١ من حديث عمر بن خلدة الأنصاري، عن أمه.
(٥) ينظر: المجموع ٦/ ٤٥٣.
(٦) بهذا المكان في الأصل عبارة: (سنة متبعة)، وحذفها هو الموافق للسياق.
(٧) ما بين المعكوفين في الأصل: (لحطونا)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>