للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا لأنه قد نوى الفرض، وإذا نوى الفرض فالخروج عنه إخلال بمقتضى النية، فلا تجوز، ولهذا لا تجوز لمن شرع في صوم للقضاء، أو صلاته، أو شرع في الصلاة في أول الوقت أن يفطر، وإن كان يجوز ترك الصلاة في أول الوقت، وتأخيرها إلى آخر الوقت، لكن قيل: لا يجوز له لوجود السبب، وهو أنه قد نوى الفرض، والخروج عنه إخلال بمقتضى النية، وذلك لا يجوز، كذلك ها هنا؛ وهذا لأن طلوع الفجر عليه سبب لانحتام/ الصيام عليه، ولهذا لو وطئ قبل أن يسافر وجبت عليه الكفارة، وإذا انحتم عليه لم يجز له الفطر.

والمعتمد لهم: أنّ الأصل أن لا يجوز الإفطار في السفر، إذا لم يكن ثَمَّ مشقة مانعة من الصوم، مثل المرض، إلا أن الصوم جعل عين السفر قائماً مقام المشقة، فكان الإعراض عن المعنى، وتجويز ترك الصوم الواجب تدَرُّجاً خارجاً عن المعقول، وإذا ثبت ذلك فإنما أثبت الشرع أصل الرخص بالإفطار لمعنى كليّ، وهو كثرة الأسفار، وحاجة الناس إلى الترخص في الجملة، وإن لم يكن في حق الآحاد مثل المرض المتحقق في حق الآحاد، وإذا ثبت ذلك، فهذا الحكم متى ثبت في حق السفر المستوعب لجميع العبادة، لم يمكن إثباته في السفر الذي لا يستوعب، ونفي الأمر على الأصل فيه.

وإذا نوى الصوم، فالسبب موجود، وهو السفر المستغرق لجميع أصل العبادة، وهو يروم (١) أن يقطع حكم السبب، فلا ينقطع بفعله، وفي الصلاة لا يقول: إنه إذا نوى الإتمام وجب الإتمام فيه، وامتنع القصر، ولكن القصر لا بدّ له من نية، والأصل الإتمام، ولو أطلق كان مصروفاً إلى التام، وإنما الحاجة إلى نية القصر، فإذا لم يبق لم يثبت، وهاهنا الحاجة داعية إلى الفطر إذا استمرّ السفر، وليست الحاجة حقيقة، إنما هي عيب مقدر شرعاً، وليس يَبِين لنا أن الحاجة متى كانت داعيةً في تقدير الشرع عند استيعاب السفر،


(١) الرَّوْمُ: طلب الشَّيء. والمَرامُ: المَطلب. رام يروم روماً ومراماً: طَلَبَ. [ينظر: كتاب العين ٨/ ٢٩١].

<<  <   >  >>