وإن افترقا من هذا الوجه، ولأن السفر المبيح للفطر موجود في حقه؛ فوجب أن يبيح كما لو وجد من أول اليوم، ولأن أبا حنيفة/ قد قال: لو وطئ في هذا اليوم لم تجب الكفارة (١)، فلم يمتنع الفطر كالمعذور.
وأما قولهم: إن المرض وجد من غير فعله.
قلنا: هذا لا يوجب الفرق بينهما في باب الاستدامة، كما لم يوجب الفرق بينهما في باب الابتداء، وقد أجمعنا على أن السفر والمرض إذا [وجدا](٢) من أول النهار أباحا ـ وإن كان أحدهما من فعله، والآخر عذراً لا من فعله ـ، كذلك الاستدامة، ثم يلزم إذا أكره على السفر فسافر؛ فإنه وجد بغير فعله، ثم لا يجوز له الإفطار عندكم، فسقط ما قالوه، ثم تبطل عليهم به إذا شرب دواءً فمرض؛ فإنه بفعله حصل المرض، ثم يجوز له الفطر.
ومن مشايخنا من فرض الكلام فيه إذا سافر قبل الزوال، وقت لنية الفرض، فنقول: وقت لنية الصوم، وكان الفطر لأجل السفر، كما لو سافر قبل طلوع الفجر.
احتجوا:
بقوله: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٣)، وهذا قد شهد الشهر فلزمه الصوم.
وبقوله ـ تعالى ـ: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ (٤)، وهذا قد يلبس بعمل، لا سيما وهو واجب عليه، فلا يجوز له إبطاله.
والفقه فيه: أنها عبادةٌ تختلف بالسفر والحضر، فإذا تلبَّس بها في الحضر، ثمَّ سافر غلب حكم الحضر، دليله: الصلاة، والمسح على الخفين،
(١) تقدّم توثيقه قريباً. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (وجد)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٣) البَقَرَة: ١٨٥. (٤) محَمَّد: ٣٣.