قال رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ:«يا أهلَ رمضان، إنّه قد دخل عليكم هذا الشّهرُ المبارك،/ فقدِّموا فيه النّية»(١)، وهذا إشارةٌ إلى تقديم النّية للشهر جميعه، والأمرُ يدلُّ على الإجزاءِ.
والفقه في المسألة: أنّا نقولُ: أوقع المكلَّفُ النّية لصوم الشّهر المفروض بأصْل الشَّرع في رمضان، يصلُح جنسُه لنّية الصوم من غير أن يتخلل النية والصيام المنوي زمانٌ يصلح جنسه لصوم سواه فصح؛ كما لو نوى في كل ليلة منه ليومها.
أو نقول: نوى لصوم رمضان في ليلته فصحَّ؛ كما لو نوى في كلِّ ليلةٍ ليومِها، وحرَّر بعضهم عبارةً، فقال: النية عزيمةٌ وُجِدَتْ منه على مَعْزوم، يصحُّ العزمُ عليه، من عازم يصحُّ منه العزم، في وقتٍ يصحُّ فيه العزم، فوجب أن يصحَّ؛ كالأصل؛ وهذا لأنه لم يبقَ مانعٌ مع هذه الأوصاف إلا ما يتوهمه قومٌ من تَخلُّل الليالي خلالَ الأيام والليالي، لا ينافي ابتداء النية، بدليل أنها تعقدُ لإدوامها؛ لأنها تمتد فيه حكماً من أول الليل إلى آخره، ويتعقب النية ما ينافي الصوم من الأكل والشّرب والجماع.
ومن أصحابنا مَنْ قال: النيّة للصوم قد صح إيقاعُها على وجه يتخلل بينها وبين الصوم زمانٌ ينافي الصوم، وهو اللّيل، وفعل محرم مثلُه للصوم، وهو الأكلُ والشُّرب والجماع، ولا يقطع حُكمَها عنه (٢).
وعلى مذهب أبي حنيفة تتأخَّر النيّة عن الصوم (٣)، ويرْجِعُ حكمُها إلى ما سبقَ من الإمساك؛ انعطافاً على ذلك الإمساكِ، وهذا حُكْمٌ يختصُّ فيه الصوم دون سائر العبادات البدنية والمالية، فجاز أن يشتمل نيته الواقعة في أول جميعه، وأن يخلَلَ بين أيامه ليالي؛ لأنَّ الليل جنس واحد، فإذا لم يقطع بين نية لصوم يومٍ وبين ذلك اليوم، لم يقطع بين صيام أيام جميع الشهر.
(١) لم أقف عليه. (٢) ينظر: الإنصاف ٣/ ٢٩٤. (٣) ينظر: تحفة الفقهاء ١/ ٧٣١، المبسوط ٣/ ١٣٤.