للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنفقة، كالطلاق؛ وهذا لأن وجوب الكفن لا بدَّ له من سبب، ولا سبب هاهنا؛ لأن السبب كان هو النكاح، وقد ارتفع، وصار كالعدم.

وإنما قلنا ذلك؛ لأن النكاح إنما يبقى في محل النكاح، والميت ليس بمحل؛ لأنه جماد؛ ولأنه أدنى من البهيمة، فيستحيل أن يكون محلاً للنكاح؛ ولأن النكاح ملك فلا يبقى إلا في محل الحياة، كملك اليمين، لا يتصور بقاؤه في الميت، ويدل عليه أنه يجوز له نكاح أختها، وأربع سواها، ولولا أن النكاح ارتفع لم يحلّ؛ لأنه يصير جامعاً بين أختين، أو بين خمسة نسوة نكاحاً، وتصور فيما لو ماتت المرأة، وتزوج هو بأختها في الحال؛ فإن عندكم يجب عليه كفنها، ونفقة الحية.

فإن قيل: ليس فرقة الموت فرقة قطع للعصمة، ولا مزيلة للحرمة، وإنما هي كاشفة عن التمسك المكمل المستوعب لجميع العمر، وقد جعل الشرع ذلك كإتمام الوصلة بما أثبت من الحرمة، فأوجب التوارث بغير حجبٍ، وقدمه عندكم على جميع الأقارب في الصلاة عليها (١)، وبقاء حرمة أوجبت إباحة غسل كل واحدٍ منهما لصاحبه، وقرر الصداق (٢) كاملاً، وجعل الموت كالدخول؛ لأن الدخول غاية الاستيفاء، والموت على العقد غاية/ التمسك والوفاء بالعقد، بخلاف الطلاق الذي هو قطع له دون غايته.

قلنا: التمسك بالعصمة إلى حين [الموت] (٣) أوجب النهاية والغاية، والغاية في كل شيء تخالف ما قبلها من الملك وأحكامه، فأما الإرث فإنه في مقابلة أن لو كان هو الميت، وهو من خصائص زوال الملك، لا من دلائل الملك، وإنما أجري مجرى القرابة فورث به تشبيهاً بالقرابة،


(١) ينظر: الإرشاد ص ١٢٤، الإنصاف ٢/ ٥٤٤، ٥٤٥.
(٢) الصَداق والصِداق: مهر المرأة، سمي بذلك لقوته وأنه حق يلزم. [ينظر: الصحاح ٤/ ١٥٠٦، مقاييس اللغة ٣/ ٣٣٩].
(٣) ما بين المعكوفين في الأصل: (الميت)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>