وهذا يدل على صحة الأخبار، واشتهارها بين السلف حتى صاروا إليه (١).
فإن قيل: هذه الأحاديث وردت في قوم مخصوصين وهم أهل العوالي (٢)، بدليل ما روى عطاء، [عن عبد الله](٣) بن السائب (٤) قال: حضرت العيد مع رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ فصلى فلما قضى صلاته قال: «قد قضينا الصلاة، فمن كان من أهل العوالي فأحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن ينتظر الخطبة فليجلس»(٥). وأهل العوالي لا تجب عليهم الجمعة.
(١) يعني: إلى هذا الأمر. (٢) جمع عالية: ويطلق على أعلى المدينة المنورة حيث يبدأ وادي بطحان، والقدماء يذكرون أنها قرية أو ضيعة، بينها وبين المدينة ثلاثة أميال أو أربعة وذلك أدناها، وأبعدها ثمانية، ولكنها اليوم تتصل بالمدينة، وفي جنوب شرق المسجد النبوي حيّ من أحياء المدينة على طريق العوالي سمي حيّ العوالي. وكانت العوالي عامرة بالبساتين، وأكثر أشجارها النخيل، ولكن العمران زحف إلى كثير من هذه البساتين وكاد يقضي عليها. [ينظر: معجم البلدان ٤/ ١٦٦، المعالم الأثيرة ص ٢٠٣]. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وما أثبته هو الصحيح نقلاً من مصادر التخريج. (٤) عبد الله بن السائب بن أبي السائب ـ صيفي ـ بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، كان يسكن مكة، وكان من قراء القرآن، يعرف بالقارئ، أخذ عنه أهل مكة القراءة، وعليه قرأ مجاهد وغيره من قراء أهل مكة. مات بمكة في إمارة ابن الزبير قبل وفاته بيسير، وصلى عليه ابن عباس. [ينظر: الاستيعاب ٣/ ٩١٥، أسد الغابة ٣/ ١٥٠، الإصابة ٤/ ٨٩]. (٥) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرجه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في انتظار الخطبة بعد الصلاة ١/ ٤١٠، ح ١٢٩٠، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب الجلوس للخطبة ١/ ٣٠٠، ح ١١٥٥، والنسائي، كتاب صلاة العيدين، باب التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين ٣/ ١٨٥، ح ١٥٧١ من طريق الفضل بن موسى، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبد الله بن السائب، قال: حضرت العيد مع رسول الله ﷺ فصلى بنا العيد، ثم قال: «قد قضينا الصلاة، فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب»، ولفظ أبي داود: «إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس .. »، ولفظ النسائي: «من أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم». وقال ابن معين: هذا خطأ؛ إنما هو عن عطاء فقط، وإنما يغلط فيه الفضل بن موسى السيناني، يقول: عن عبد الله بن السائب. وقال أحمد: مرسل. وقال أبو زرعة: الصحيح عن عطاء: أن النبي ﷺ .. مرسل. وقال أبو داود: هذا مرسل عن عطاء، عن النبي ﷺ. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. [ينظر: تاريخ ابن معين رواية الدوري ٣/ ١٥، علل ابن أبي حاتم ٢/ ٤٦٠، المستدرك ١/ ٤٣٤، فتح الباري لابن رجب ٩/ ٤٩].