كانت شرطاً في صحتها، بخلاف مسألتنا؛ فإن الجماعة ليس بشرط في صحتها، فلم تكن واجبة، فإن جميع ما يجب للصلاة المفروضة لا تصح الصلاة دونه مع اعتماد تركه، فلما لم يجب هذان الوصفان كون الجماعة لها شرطاً لم يجب كونها واجبة فيها.
الثاني: أن الجمعة يشترط لها المصر، والعدد المخصوص، والخطبة، وصفات من يحضرها من ذكورية، وحرية، واستيطان، وبلوغ، أو مقام في بنيان يستوطنه أربعون عند من لم يعتبر المصر الجامع، فما يؤمنكم أن يكون حاصلاً في الإجماع لها كما كان محصلاً سائر هذه الشروط، وهذه الصلوات بخلاف ذلك، وتكون العلة في ذلك أن الجمعة تندر وتقل، والصلوات الخمس تكثر، وتعمر أوقاتها، وتصادف الآحاد المنفردين بالأشغال المانعة، والعوائق السانحة من الاجتماع، فانتفى الوجوب للجماعة فيها لهذه العلة، بخلاف الجمعة، فدل على الفرق.
قلنا: عندنا في أحد الوجهين أن الجماعة تشترط في صحتها على ما ذكره القاضي في «شرح المذهب»(١)، وهو قول داود (٢)، وحكى بعض أصحابنا مثل ذلك عن القاضي الشريف أبي علي بن أبي موسى الهاشمي (٣)، والوجه فيه قوله ﵇:«من سمع النداء، ولم يأته فلا صلاة له إلا من عذر»(٤)، وفي رواية:«لم يقبل الله الصلاة منه»(٥)، ولأنه إذا وجبت الجماعة وجبت الصلاة، فكانت شرطاً، والأصل بقاء الأمر عليه إلى أن يمتثل، ولا يمتثل إلا بأداء الجماعة، فله إذن الصلاة مع الجماعة.
(١) ينظر: الإنصاف ٢/ ٢١٠ وعبارته: «وعنه: أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، ذكرها القاضي وابن الزاغوني في الواضح والإقناع، وهي من المفردات، واختارها ابن أبي موسى، وابن عقيل، والشيخ تقيّ الدين، فلو صلى وحده من غير عذر لم تصحّ، قال في الفتاوى المصرية: هو قول طائفة من أصحاب الإمام أحمد ذكره القاضي في شرح المذهب عنهم». (٢) ينظر: الانتصار ٢/ ٤٧٦، وهو مذهب الظاهرية كما في المحلى ٣/ ١٠٤. (٣) ينظر: الإنصاف ٢/ ٢١٠. (٤) تقدم تخريجه. (٥) تقدم تخريجه.