للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لصحة ابتداء الطهارة أن لا يكون مرتداً، كذلك شرط أن تبقى الطهارة بشرط عدم الردة.

فإن قال أصحاب أبي حنيفة: لا نسلم أنها لا تصح إلا مع عدم الردة، بل تصح مع الردة، كما لا تبطلها الردة (١).

قلنا: ندل عليه بأنها عبادة محضة، فنافاها الكفر كالصلاة، والدليل على كونها عبادة: اعتبار العقل بصحتها، وأن (٢) يكون أهلاً، وبهذا فارقت إزالة النجاسة؛ لأنها صحت من المجنون، وبغير قصد أصلاً بصوب الغمام (٣)، والاستحالة عند أبي حنيفة في كل شيء (٤)، وعند الجماعة في الخمر إذا استحالت خلاً (٥)، ثم كيف يجوز أن تكون العبادة صحيحة ممن لا يثبت معبوداً يتعبد له، والعبادات تابعة للإيمان كتبعية أركان الصلاة للتحريم والنية،/ ولا صحة لركوع وسجود مع عدم نيته وتحريمه، كذلك لا عبادة مع عدم الإيمان، وقد رفعت الردة أصل الإيمان، فلا صحة لعبادة بعدمها، ولا معها، فلا يسلم غسل الجنابة بل يبطل بالردة، ويجب الغسل عن الردة ـ أيضاً ـ ابتداء، ويصح بعد إسلامه، والإسلام من الكفر كالطهر من الحيض، فهو مصحح للغسل، لا موجب، لكن الحيض موجب، كذلك الكفر موجب، والإسلام مصحح.

ولو سلمنا فالردة أكثر ما تنزل منزلة الحدث، وغسل الجنابة لا يبطله الحدث.

وأما قولكم: كبيرة من الكبائر، فهو تعليق على العلة ضد المقتضي، فلأنه يبطل بالزنا، وشرب الخمر النبيذ إذا تعقبه سكر؛ فإنه من الكبائر،


(١) ينظر: المبسوط ١/ ١١٦.
(٢) في هذا المكان من الأصل عبارة: (لا)، وقد حذفتها؛ لإخلالها بالمعنى.
(٣) صَوْب الغَمام: الذي يُمْزَجُ به الخمر. [ينظر: لسان العرب ٥/ ١٠٧].
(٤) ينظر: فتح القدير ١/ ٢٠٠، العناية ١٠/ ١٠٦.
(٥) في الإنصاف ١/ ٣١٨: «ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة، ولا بنار ـ أيضاً ـ، إلا الخمرة، هذا المذهب بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب، ونصروه».

<<  <   >  >>