قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ (١)، والطهارة عمل له حكم يمتد إلى غاية هي أداء الصلاة بها، فدخلت تحت الإحباط بعموم الآية، والحَبْط: هو البطلان، فينبغي أن يبطل وضوءُه.
فإن قيل: هذه الآية عامة في مرتدٍّ مات على ردته، وفيه إذا عاد إلى الإسلام، وقوله: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ﴾ (٢) يقتضي أن جنس الكفار الذين تنحبط أعمالهم بالردة هم الذين ماتوا على ردتهم؛ لأنه أدخل الألف واللام بقوله: ﴿فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (٣) فهذا يقتضي الجنس (٤)، فلا يبقى أحد يَنْحَبِط عمله بالردة إلا بهذين الشرطين؛ الردة، والموت عليها، وهذا هو [مقتضى](٥) اللغة كقول القائل: من قتل عمداً مُكافِئاً له فأولئك الذين وجب قتلهم. فإنه يقتضي الجنس، وأنه لا يجب القتل إلا لمن هذه صفته، على أن الإحباط يرجع إلى إسقاط الثواب دون البطلان.
قلنا: لا نسلم أن هذا يقتضي الجنس، وليس هذا إلا كما احتج به مالك في أنه لا يجوز بيع الطعام قبل قبضه، ويجوز في غيره (٦)؛ بنهي النبي ـ صلَّى الله عليه ـ عن بيع الطعام قبل قبضه (٧)، وقال بأنه خص الطعام، فاقتضى ذلك جنس المبيع الذي لا يجوز بيعه قبل قبضه، فقلنا له: هذا لا يقتضي الجنس، بل يقتضي [نوعاً](٨) من البيع لا يجوز بيعه قبل قبضه،
(١) المَائدة: ٥. (٢) البَقَرَة: ٢١٧. (٣) البَقَرَة: ٢١٧. (٤) ليس في الكلام نكرة تقتضي شيوعاً دخلت عليها الألف واللام لتفيد عموم الجنس. (٥) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٦) ينظر: التمهيد ١٣/ ٣٢٩، حاشية الدسوقي ٣/ ١٥٠. (٧) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك ٣/ ٦٨، ح ٢١٣٥، ومسلم، كتاب البيوع ٣/ ١١٦٠، ح ١٥٢٥ من حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ: «من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه»، قال ابن عباس: وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام. هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري بنحوه. (٨) ما بين المعكوفين في الأصل: (نوع)، وما أثبته هو الصحيح لغة.