للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصقور فلا ينتفع بها في غير ذلك، وكذلك عند الشافعي الخمر يستعمل للتداوي (١)، وعند أبي حنيفة يستعمل عند العطش، ولا يستعمل في غير ذلك (٢).

وهذا لأن استعمالها في اليابسات فلاقى نجاسة يابسة فإنه لا ينجس، ولو أن النجاسة مائعة فكل محل تلاقيه تنجسه، أو كان الثوب رطباً، والنجاسة يابسة.

وأما جواز فعل الدباغ فليس عن الإمام فيه رواية، ويجب أن يقال إن قلنا: يجوز الانتفاع بها في اليابسات: لم يحرم لأنه يفيد انتفاعاً مباحاً. وإن قلنا: لا/ يجوز الانتفاع به احتمل المنع منه لوجهين؛ أحدهما: قوله ـ تعالى ـ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ (٣) ومعناه: حرمت عليكم أفعالكم في الميتة، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا﴾ (٤) معناه: حرمت أفعالكم، وقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ﴾ (٥)، والدباغ إيقاع فعل في الميتة؛ لأن الجلد من جملتها، ولا يجوز حمل ذلك على الأكل لأنه عام، على أن حمله على الأكل حمل على ما قد استفيد بالإجماع، ولأنه لما كان فائدة الدباغ الانتفاع، والانتفاع يحرم بما تقدم من الدليل، وجب أن يحرم في نفسه، كما قلنا في آنية الذهب، والفضة، وآلة اللهو لما كان القصد منها الاستعمال ـ وذلك محرّم ـ حرم اتخاذها.

ويحتمل أن يباح فعل الدباغ وإن لم يطهّر، كغسل النجاسة بالمائع وبالماء المستعمل مباح وإن لم يطهّر.

وفارق الدباغ تخليل الخمر؛ لأن تخليلها لا يؤمن معه مواقعتها، وهذا معدوم هاهنا، والله أعلم.


(١) ينظر: المجموع ٩/ ٥١، أسنى المطالب ١/ ٥٧٠.
(٢) ينظر: تحفة الفقهاء ٣/ ٣٢٦، المبسوط ٢٤/ ٢٨.
(٣) المَائدة: ٣.
(٤) المَائدة: ٩٦.
(٥) النِّساء: ٢٣.

<<  <   >  >>