وقيل: تدخل للإلصاق، يقال: أسندت ظهري بظهره، وكتبت بالقلم.
وقيل: هي للاختلاط، يقال: خلطت الماء باللبن، والدراهم بالدنانير (١).
فإن قيل: فقد روي عن الشافعي: أنها للتبعيض (٢).
قلنا: لا يُعرَف هذا اللفظ عنه، وإنما قال: يجزئ مسح بعض الرأس. فحمله بعضهم على أنه قال: الباء للتبعيض. ولو قدِّر أنه قاله فلا يعارض قولُه قولَ من حكينا عنه.
والذي يدل على أنها ليست للتبعيض: قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ (٣)، وقوله: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ (٤)، وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ (٥).
وقولهم: استعنت بالله، وتزوجت بامرأة، وجُشت بصدره، وما أنت بصديق.
(١) ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني ص ٣٦، وقد ذكر أن للباء ثلاثة عشر معنى. (٢) ينظر: الحاوي الكبير ١/ ١١٥، المجموع ١/ ٤٠٠. قال ابن جنّي: «فأما ما يحكيه أصحاب الشافعي عنه من أن الباء للتبعيض فشيء لا يعرفه أصحابُنا ولا ورد به ثبت». [ينظر: صناعة الإعراب ١/ ١٢٣]. وأيّده أبو المعالي الجويني ـ من أئمة الشافعيّة ـ فقال: هذا خلف من الكلام لا حاصل له. [ينظر: البرهان ١/ ١٣٦]. (٣) النِّساء: ٤٣، المائدة: ٦. (٤) المؤمنون: ٢٠. (٥) يُوسُف: ١٧. (٦) النابغة الجعديّ. (٧) هذا عجز البيت، وصدره: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج. [ينظر: أدب الكاتب لابن قتيبة ص ٥٢٢، المنتخب من كلام العرب ص ٧١١، الإبانة للصحاري ١/ ٣٠٤، درة الغواص للحريري ص ٢٤].