قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ (١) فعلّق المسح بالرأس، والرأس في اللغة عبارة عن الجملة المعروفة، وهو ما ترأس وعلا، ولا [يسمى](٢) / بعضه رأساً؛ لأن كل جزء له اسم يخصه، الناصية، والقَذال (٣)، والهامة (٤)، والفَوْدَان (٥)، واليافوخ (٦)، وغير ذلك، كما في الوجه: الخدان والأنف، والفم، والعين، فلا يسمَّى الخد، أو الأنف وجهاً، كذلك لا يسمَّى البعض رأساً، فيجب مسحه كله.
فإن قيل: فالبعض يسمَّى رأساً بدليل أنه إذا قُبِّل موضع من رأسه قيل: قد قُبِّل رأس فلان، وكذلك إذا أوضحه، أو شجه في موضع منه قيل: أوضح رأسه، وشجه.
قلنا: البعض لا يسمَّى رأساً حقيقة، ولهذا يقال: ليس هذا الرأس، هذا بعضه، كما يقال: ليس هذا الوجه، هذا الخد، أو العين، فأما المستشهَد به فإنما سُمي بذلك للعرف القائم بين الناس، وأنه إذا قبّل موضعاً قيل: قبّل رأسه، وكذلك إذا أوضح موضعاً، ولأن القُبْلَة، والإيضاح لا تُمكن في جميع الرأس، فلهذا حمل على البعض، ولا عرف بيننا وبينه ـ سبحانه ـ في المسح، ويمكن استيعاب الجميع، فوجب حمله عليه.
(١) المَائدة: ٦. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (سيما)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٣) القَذَال: مؤخر الرأس فوق فأس القفا، والجميع القُذُل، والعدد أقذِلة. [ينظر: تهذيب اللغة ٩/ ٧٤، المحكم والمحيط الأعظم ٦/ ٣٤٦]. (٤) الهامة: الرأس، والجمع هام، وقيل: الهامة: ما بين حرفي الرأس، وقيل: هي وسط الرأس ومعظمه من كل شيء، وقيل: من ذوات الأرواح خاصة. [ينظر: الصحاح ٥/ ٢٠٦٣، المحكم والمحيط الأعظم ٤/ ٤٤١]. (٥) الفَوْد: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن. وفَوْدا الرأس: ناحيتاه، والجمع أفواد، يقال: بدا الشيب بفَوْديه، قال ابن السكيت: إذا كان للرجل ضفيرتان يقال: لفلان فَوْدان. [ينظر: الصحاح ٢/ ٥٢٠، المحكم والمحيط الأعظم ٩/ ٤٣٩]. (٦) اليافوخ: حيث التقى عظم مقدم الرأس وعظم مؤخره، وقيل: هو ما بين الهامة والجبهة. [ينظر: المحكم والمحيط الأعظم ٥/ ٢٣٩].