فإن قيل: فما قَصَدَ بإحضار تلك الصحف، وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظةَ القرآن؟
قلت: الغرض بذلك سدُّ بابِ المقالة؛ حتى لا يزعم أن في الصحف شيئًا لم يكتب، أو كتب ما لم يكن فيها، ويؤيده ما في صحيح البخاري عن ابن الزبير قلت لعثمان:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ}[البقرة: ٢٤٠]؛ نسختها الأخرى فَلِمَ تكتبُها؟؛ أو تدعُها؟ (١).
قال:(يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه)(٢)، وفيه تسليم ظاهر من عثمان للنُّسَخِ، وإشارة إلى أن ترتيب الآي توقيفي (٣).
وفي الكامل:(تقول العرب: صاعقة وصواعق، وهو لغة أهل الحجاز وبه نزل القرآن، وبنو تميم تقول: صاقعة (٤) وصواقع) (٥).
والحاصل: أنهم اختاروا لغة قريش لأنها أفصحُ اللغات وأيسرُها، وهي لغة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبها أنزل عليه أوَّلًا، ثم رُخِّصَ أن يقرأ بغيرها ثانيًا، فأسقطوا عند الاختلاف ما سواها؛ إذ الأمة ما كلفت بحفظ الأحرف السبعة كلِّها؛ بل خيرت
(١) قال في الفتح ٨/ ١٩٤: (كذا في الأصول بصيغة الاستفهام الإنكاري كأنه قال: لم تكتبها وقد عرفت أنها منسوخة؟ أو قال: لم تدعها أي: تتركها مكتوبة؟ وهو شك من الراوي أيَّ اللفظين قال؟، ووقع في الرواية الآتية بعد بابين "فلم تكتبها؟ قال تدعها يا ابن أخي" وله من رواية أخرى قلت: تكتبها أو تدعها؟ قال: يا ابن أخي لا أغير منها شيئًا عن مكانه"، وهذا السياق أولى من الذي قبله، وأو للتخيير لا للشك). (٢) رواه البخاري ك: تفسير القرآن، باب: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن (٤٥٣٠) و (٤٥٣٦). (٣) وهكذا قال ابن حجر في الفتح ٨/ ١٩٤. (٤) كذا في نسخة (ل) و (س) و (ز ٨)، وفي (ز ٤) "وبنو تميم يقول صاقعة"، وفي (بر ١) "صاعقة"، وفي (ص) "وبنو تميم يقول صاعقة". (٥) انظر: الكامل (٢/ ٨٤١) ولعل مراد المؤلف من إقحام هذا النص من الكامل؛ الاستشهاد بقوله: (وهو لغة أهل الحجاز وبه نزل القرآن).