ب دراسة إسناد الوجه الثاني (إسناد أبي مُصْعب الزُّهري):
١) أبو مُصْعَب أحمد بن أبي بكر الزُّهري: "ثقةٌ". (١)
٢) وبقية رجال الإسناد: تقدَّمت دراستهم في الوجه الأول.
ثالثًا: - النظر في الخلاف في هذا الحديث:
مِمَّا سبق يتضح أنَّ الحديث مداره على الإمام مالك، وقد اختُلف عليه فيه من وجهين:
الوجه الأول: مالك بن أنس، عن عمه أبي سُهيل، عن أبيه، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - (مرفوعًا).
الوجه الثاني: مالك بن أنس، عن عمه أبي سُهيل، عن أبيه، عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - (موقوفًا).
والذي يظهر - والله أعلم - صحة الوجهين؛ وذلك لتساوي وتكافؤ القرائن المُرجِّحة لكلٍ مِنْهما:
- فيُرجح الوجه الأول لكونه من رواية مَعْن بن عيسى؛ فهو مِن أثبت النَّاس في مالك، وتُقدَّم روايته في الموطأ على رواية غيره (٢)، ويُقابل ذلك رواية الجماعة في الوجه الثاني.
- وكذلك الوجه الأول تُوبع فيه مالك، بخلاف الوجه الثاني.
- وفي الوجه الثاني رواية يحيى بن يحيى، وهو آخر مَن روى الموطأ عن مالك، وقد سمعه مِنه في السنة التي تُوفى فيها الإمام مالك.
• وعليه فيتعذر الترجيح بينهما، ولقد رجح الإمام الدَّارقطني في "العلل" (٣) الوجه الثاني الموقوف.
قلتُ: ولعلَّه رجَّحه لكونه مِنْ رواية الجماعة - والله أعلم -.
• وعلى فرض صحة الوجه الموقوف، فهو مِمَّا له حُكم الرفع، لأنه لا يُقال من قبل الرأي والاجتهاد:
- قال ابن عبد البر: حَدِيثُ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَعْنَاهُ مَرْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا تَوْقِيفًا. (٤) وقال الإمام أبو الوليد الباجي: وَمِثْلُ هَذِا لَا يَعْلَمُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. (٥) وزاد الزرقاني: لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَغِيبٍ فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ. (٦)
قلتُ: وبهذا يُجْمع بين الوجهين، وهو أولى مِن الترجيح - والله أعلم -.
• بالإضافة إلى أنَّ غير واحدٍ مِن أهل العلم ذكر أنَّ مِن عادة مالكٍ أنَّه كان يرفع الحديث أحياناً ويُوقفه حيناً، على حسب نشاطه، فقال ابن حبَّان: وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَةً لِمَالِكٍ، يَرْفَعُ فِي الْأَحَايِينِ الْأَخْبَارِ وَيُوقِفُهَا مِرَارًا
(١) يُنظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ٤٣، "الميزان" ١/ ٨٤، "التقريب" (١٧).
(٢) ومِمَّن قَدَّم رواية مَعْن: أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (٨/ ٢٧٨)، والدَّارقطني كما في "سؤالات السلمي للدارقطني" (ص/١١٣)، وابن عبد البر في "التمهيد" (١٦/ ١٥٠).
(٣) يُنظر: "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدَّارقطني (١٠/ ٨٣/مسألة ١٨٨٢).
(٤) يُنظر: "الاستذكار" (٢٧/ ٣٩٠).
(٥) يُنظر: "المنتقى شرح الموطأ" لأبي الوليد الباجي (٧/ ٣١٩).
(٦) يُنظر: "شرح الزُّرقاني على الموطأ" (٤/ ٢٥٠).