ولم يَنْفرد به كذلك أبو إسحاق، بل تابعه حُمَيْد بن هلال، وبُرَيد بن عبد الله، وزيد بن أبي أُنَيْسة، ثلاثتهم عن أبي بُرْدة، به، فَزَال بذلك ما نخشاه مِنْ تدليسه.
[شواهد للحديث]
• وفي الباب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"، من طريق شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلا تُنَفِّرُوا». (١)
وعليه؛ فالحديث بمتابعاته، وشواهده يرتقي إلى "الصحيح لغيره"، والله أعلم.
رابعًا:- النظر في كلام المصنف - رضي الله عنه - على الحديث:
قال المُصنف - رضي الله عنه -: لم يَرو هذا الحديث، عن زُهَير، إلا عَمرو بن عثمان.
قلتُ: مِمَّا سبق في التخريج يَتَبَيَّن صحة ما قاله المُصَنِّفُ - رضي الله عنه -.
خامساً:- التعليق على الحديث:
- يُعتبر هذا الحديث من أعظم القواعد التي أُسس عليها هذا الدين الحنيف، قال الله - عز وجل -: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)} (٢)، وقال الله - جل جلاله -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(٣)، وقال الله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}(٤)، وأخرج البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"، من حديث أمّ المؤمنين عائشة، قالت:" مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا ". (٥)
- وقد رَبَّى النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -، على ذلك قولاً، وعملاً، فلقد حثِّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأوصى الصحابة بذلك، كما في حديث الباب، وفي بعض روايات الحديث، من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، قال: قال: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ:" بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا "(٦)، وأخرج البخاري
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٦١٢٥)، ك/الأدب، ب/قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا"، وكان يُحب التخفيف، والتيسير على النَّاس؛ ومسلم في "صحيحه" (١٧٣٤)، ك/الجهاد والسير، ب/في الأمر بالتيسير، وترك التنفير. (٢) سورة "البقرة"، آية (١٨٥). (٣) سورة "الحج"، آية (٧٨). (٤) سورة "النور"، آية (٦١). (٥) أخرجه البخاري (٣٥٦٠)، ك/المناقب، ب/صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبرقم (٦١٢٦)، ك/الأدب، ب/قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا"، وبرقم (٦٧٨٦)، ك/الحدود، ب/إقامة الحدود. ومسلم (٢٣٢٧/ ١ - ٥)، ك/الفضائل، ب/مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام. (٦) أخرجه مسلم في "صحيحه" (١٧٣٢)، ك/الجهاد والسير، ب/في الأمر بالتيسير، وترك التنفير.