قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رضي الله عنه -: واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في مَعْنَى حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ هَذَا، فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ، وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ، فَهُوَ مَنْسُوخٌ؛ وَقِيلَ: لَيْسَ مَنْسُوخًا، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِمْ مَا فَعَلَ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ. (١)
وقال الحافظ ابن حجر: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ أَوَّلًا فِيهِمْ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهَا مَنْ حَارَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ لَكِنَّ عُقُوبَةَ الْفَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ إِذَا ظَفِرَ بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ يُنْظَرُ فِي الْجِنَايَةِ فَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ، وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ، وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا نُفِيَ، وَجَعَلُوا (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، وَقَالَ مَالِكٌ: بَلْ هِيَ لِلتَّخْيِيرِ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارِبِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ الْأَوَّلَ. (٢)
* * *
(١) يُنظر: "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (١١/ ١٥٣).(٢) يُنظر: "فتح الباري" (١٢/ ١٠٩ - ١١٠)، ومَنْ رام المزيد، فليُراجع: "جامع البيان" للطبري (١٠/ ٢٤٣ - ٢٥١)، "معالم التنزيل" للبغوي (٣/ ٤٧ - ٥٠)، "المغني" لابن قدامة (١٢/ ٤٧٣)، "تفسير القرءان العظيم" لابن كثير (٣/ ٩٠ - ٩٩)، "فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ١١٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute