فنقول: إن وضع الشرع لها على غير وضع الراهن والبيع جميعاً، لأنه أمره بالاتباع عند إحالته على مليء، وله ـ صلَّى الله عليه ـ أن يجعل هذه عقداً منفرداً بهذا الحكم، ومعناه: أنه يعتبر ممن عليه الحق محل الإيفاء، وإليه ذلك؛ كما إذا عين بالقضاء كيساً من بين بعض أكياسه ووكيلاً من بين وكلائه ينوب عنه في القضاء والفداء بدلاً من دفع العبد الجاني، ومالاً من عنده لا من مال التركة، فيكون من هذا القبيل، ولأن القرض بيع في الحقيقة؛ لأنه إبدال دينار بدينار على سبيل الإرفاق بتقديم دفع أحدهما، ومع هذا يترتب عليه حكم يخالف به سائر البيوع، وهو أنه يقضي ما عليه بنفس العين التي اقترضها، فجعل عين الدينار الذي اقترضه قضاء، وليس لنا في البيوع بيع الشيء بنفسه وإبداله بعينه، ولأن الحوالة ليس المغلب فيها إلا ما تضاد الإبراء، وهو الإيفاء؛ لأن الإيفاء إعطاء، والإبراء إسقاط، فأين الحوالة من الإبراء؟ فلذلك اعتبر رضا المبرئ؛ لأنه تبرع بإسقاط الحق، والإنسان لا يجبر على إسقاط حقه، ولا يثبت سقوطه حقه بغير رضاه، وهاهنا توصل إلى إيفاء الحق، فهو كالوكالة لغيره في نقيض الدين، والله أعلم.
وقد تعلق بعضهم بأن المحيل يعتبر رضاه، كذلك المحتال.
فنقول له: نقابلك بمثله، فنقول أليس المحتال عليه لا يعتبر رضاه كذلك المحتال.
الثاني: أن المحيل موجب فاعتبر رضاه كسائر الموجبين، وهذا قائل.
الثالث: إنما اعتبرنا رضاه؛ لئلا يفضي إلى التخيير عليه في جهات القضاء، وهذا لا يجوز، كما لا يجوز أن يتخير في القضاء من كيس إلى كيس بخلاف المحتال/ فإنه لا يتخير في هذا، فكذلك في الذمة، والله أعلم.