للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: أنا نحمله على الجنون بدلائلنا المتقدمة، وكل جنون إغماء، وهو غيبوبة العقل، وغروبه.

وأما قولهم: إنه مرض أزال عقله: ممنوع؛ لا نُسلّم أن الإغماء يزيل العقل، وإنما يغطيه، بخلاف الجنون على ما بينا من قبل، على أن في المجنون هل يجب عليه قضاء الصلوات روايتان (١):

أحدهما نقلها حنبل: أنه يجب عليه القضاء، فعلى هذا لا نُسلّم.

وقد قال بعض الأصحاب: إن هذه الرواية محمولة على هذا الصرع الذي يعتري الإنسان لحظة أو ساعة فيصادف وقت صلاة فيقضي، إذ لا يجوز/ أن تحمل على جنون مطبق يدوم ويطول (٢)، ولهذا روى جماعة من أصحابه عنه إسقاط القضاء عن المجنون (٣)، وهو [المعول] (٤) عليه، فعلى هذا العذر ما تقدم وهو أن الجنون يزيل العقل، ويثبت الولاية والحجر، ويزيل الولايات، ولا يزول بعلاج، بخلاف الإغماء لأنه لا يزيل ولايته عن ابنته إلى الأبعد من قرابته، ولا يسقط فرض الصوم عنه، ولا يدوم غالباً، ويزول بالعلاج من شمّ النفط، وخلّ الخمر، والأشياء الحادة، ولأنه يجوز على الأنبياء حتى عند نزول الوحي، وهي أجل أحوالهم، فهو بهذه الوجوه أشبه بالنوم من الجنون.

جواب آخر: أن الجنون غالب أحواله الدوام، فيشق قضاء الصلاة، والصيام، والإغماء لا يدوم، ولذلك أسقط الجنون فرض الصيام عندهم، ولم يسقط الإغماء، وإن كان بهذه المثابة دل على الفرق بينهما.

وأما فصل الحرج فقد تقدم الجواب عنه بما فيه كفاية، والله أعلم.


(١) ينظر: زاد المسافر ٢/ ١٣٦، مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح ص ٢٧٩، المبدع ١/ ٣٠١.
(٢) لم أقف على من تأوّل هذه الرواية من الأصحاب.
(٣) ينظر: الإنصاف ١/ ٤٤٢، الفروع ١/ ٣٠١.
(٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (المعمول)، وما أثبته هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>