للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذكر الخاص بعد العام، وذلك لأن الخير قد يكون مراً، والشر قد يكون حلواً، قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)] البقرة: ٢١٦].

وقال ابن القيم: "الفرق بين كون القدر خيرًا شرًا وكونه حلوًا ومرًا قيل الحلاوة والمرارة تعود إلى مباشرة الأسباب في العاجل، والخير والشر يرجع إلى حسن العاقبة وسوئها فهو حلو ومر في مبدأه وأوله، وخير وشر في منتهاه وعاقبته، وقد أجرى الله سبحانه سنته وعادته أن حلاوة الأسباب في العاجل تعقب المرارة في الآجل، ومرارتها تعقب الحلاوة فحلو الدنيا مر الآخرة ومر الدنيا حلو الآخرة، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن جعل اللذات تثمر الآلام والآلام تثمر اللذات، والقضاء والقدر منتظم لذلك انتظاما لا يخرج عنه شيء البتة.

والشر مرجعه إلى الآلام وأسبابها، والخير مرجعه إلى اللذات وأسبابها، والخير المطلوب هو اللذات الدائمة، والشر المرهوب هو الآلام الدائمة، فأسباب هذه الشرور وإن اشتملت على لذة ما وأسباب تلك الخيرات وإن اشتملت على ألم ما، فألم تعقبه اللذة الدائمة أولى بالإيثار والتحمل من لذة يعقبها الألم الدائم، فلذة ساعة في جنب ألم طويل كلا لذة وألم ساعة في جنب لذة طويلة كلا ألم (١). "


(١) شفاء العليل لابن القيم - ٢/ ٧٣٣.

<<  <   >  >>