قلت: هذه القاعدة لا يسلم بها دائماً، فقد وجد في بعض ما يرويه إبراهيم عن ابن مسعود ما يستنكر، لا سيما وقد أنكره ابن مهدي على جرير بن حازم، وأنه قد وهم فيه على الأعمش، وأن صوابه من قول إبراهيم مقطوعاً عليه، حيث قال: «ليس يحدث به عن جرير إلا من يريد شين جرير، إنما هو قول إبراهيم».
• فقد رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن سفيان [الثوري]، عن أبيه [سعيد بن مسروق الثوري: ثقة]، عن إبراهيم، قال: لا بأس أن يتزوج المحرم.
أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ١٣٤١٤/ ٤٨٢ - ط الشثري).
وهذا مقطوع على إبراهيم بن يزيد النخعي بإسناد صحيح.
• ورواه أيضاً: عبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ]، قال: أخبرنا الثوري، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: يتزوج المحرم إن شاء، لا بأس به. قال: وقال لي الثوري: لا تلتفت فيه إلى قول أهل المدينة.
أخرجه عبد الرزاق [عزاه إليه: ابن عبد البر في التمهيد (٣/ ١٥٧) والاستذكار (٤/ ١١٨)].
وهذا مقطوع على إبراهيم بن يزيد النخعي بإسناد صحيح، والأول وهم، أعني: ما رواه جرير بن حازم عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود، والله أعلم.
• ورواه محمد بن أبان، عن حماد، قال: قلت لإبراهيم النخعي: المحرم يتزوج؟ قال: نعم إن شاء، ولكن لا يقربها بقبلة ولا غير ذلك.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (٢/ ٢٢٢).
وهذا مقطوع على إبراهيم النخعي بإسناد ضعيف؛ حماد بن أبي سليمان: لا بأس به، وقد تكلّم في روايته عن إبراهيم النخعي، فقد كان كثير الخطأ والوهم [انظر: التهذيب (١/ ٤٨٣)]، ومحمد بن أبان بن صالح القرشي الجعفي الكوفي: ضعيف [انظر: اللسان (٦/ ٤٨٨)]، ومحمد بن الحسن الشيباني: كوفي، ضعيف، كذبه ابن معين [اللسان (٧/ ٦٠)].
٢ - عن معاذ بن جبل:
علقه ابن حزم في المحلى (٥/ ٢١٣)، قال: «واختلف السلف في هذا فأجاز نكاح المحرم طائفة، صح ذلك عن ابن عباس، وروي عن ابن مسعود، ومعاذ».
قلت: جعل ابن حزم القول المنسوب إلى ابن مسعود ومعاذ قسيماً للصحيح الثابت عن ابن عباس، فكأنه لا يثبت عنده، ولا تصح نسبة قول إلى قائل حتى يصح الإسناد إليه.
• وعليه: فإنه لا يثبت هذا القول عن أحد غير ابن عباس، وقد ثبت خلافه في رد نكاح المحرم عن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وثبت عن ابن عمر بمعنى حديث عثمان، والله أعلم.
وقد نُسب هذا القول في إباحة نكاح المحرم إلى: عطاء بن أبي رباح [أخرجه ابن أبي شيبة (٧/ ١٣٤١٧/ ٤٨٢ - ط الشثري)].
