ولو تأخَّرَ تقابُضُ المهرِ عن العقدِ أو تمَّ العقدُ بلا تسميةٍ للمهر، جاز؛ لِمَا تقدَّمَ، ولِمَا روى أبو داودَ والترمذيُّ؛ أنَّ ابنَ مسعودٍ سُئِلَ عن رجلٍ تزوَّجَ امرأةً، ولم يَفْرِضْ لها صداقًا، ولم يَدْخُلْ بها حتى مات؟ فقال ابنُ مسعودٍ:"لها صداقُ نسائِها، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وعليها العِدَّةُ، ولها الميراثُ؛ فقام مَعْقِلُ بنُ سِنَانٍ الأشجعيُّ، فقال: "قَضَى رسولُ اللهِ ﷺ في بِرْوَعَ بِنتِ واشِقٍ: امرأةٍ منَّا، مِثلَ ما قَضَيْتَ" (١).
وفي الآيةِ: دليلٌ على أنَّ المهرَ حقٌّ للمرأة، لا لوليِّها ولا لأهلِها؛ فاللهُ يقولُ: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾، فأمَرَ بإعطائِهِنَّ أنفُسِهِنَّ، وأكَّدَهُ بقولِه: ﴿نِحْلَةً﴾، ثمَّ بيَّنَ أنَّ المهرَ لا يُسقِطُهُ الوليُّ؛ لأنَّه ليس مِن حقِّه، في قولِه: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾، فالأمرُ بإسقاطِ شيءٍ مِن المهرِ وهبتِه: لها، لا لوليِّها، وهذا يُؤكِّدُ حقَّها وَحْدَها فيه؛ وهذا خلافُ ما كان عليه أهل الجاهليَّةِ؛ إذْ كان يتكثَّرُ الأولياءُ بمهورِ بناتِهم وأخواتِهم، وكان الرجلُ إذا وُلِدَ له بنتٌ يقالُ له:(هنيئًا لك النَّافِجَةُ)(٢)؛ يعني: ما تَزِيدُ في مالِك وتُغنِيكَ بمَهْرِها، فكان المهرُ مِلْكًا للوليِّ لا للزوجة، فأبطَلَهُ اللهُ وجعَلَهُ حقًّا للزوجة، تَضَعُ منه ما تشاءُ، وتُبقِي لها ما تشاءُ، عن طِيبِ نفسٍ منها بلا إكراهٍ، وقد كان بعضُ الجاهليِّينَ تترفَّعُ نفوسُهم عن مهورِ بناتِهم تعفُّفًا عن حَقِّهِنَّ؛ كما يقولُ الشاعرُ: