قال تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾؛ فكلُّ زوجةٍ للنبيِّ ﷺ، فهي أمَّ للمؤمنينَ؛ لعمومِ الآيةِ، على خلافٍ عندَ الفقهاءِ في حدِّ ذلك، وقد ذهَبَ الشافعيُّ: إلى أنَّ كلَّ زوجةٍ له: أمٌّ للمؤمنينَ ولو طلَّقَها، وبعضُهم خَصَّ أمَّهاتِ المؤمنينَ بالمدخولِ بِهِنَّ؛ وهو قولُ إمامِ الحَرَمَيْنِ.
وقد رُوِيَ أنَّ الأشعثَ بنَ قَيْسٍ نكَحَ المُستعيذةَ في زمنِ عمرَ ﵁، فهَمَّ برَجْمِه، فأخبَرَه أنَّها لم تكنْ مدخولًا بها، فكَفَّ عنه، وفي روايةٍ: أنَّه هَمَّ برَجْمِها، فقالتْ: ولِمَ هذا وما ضُرِبَ عَلَيَّ حجابٌ، ولا سُمِّيتُ للمُسْلِمينَ أُمَّا؟ ! فكَفَّ عنها (١).
ورُوي كذلك عن ابنِ عباسٍ مِثلُه مع أسماءَ بنتِ النُّعمان (٢).
وإنَّما أخَذْنَ الأمُومةَ مِن أُبُوَّتِهِ ﷺ؛ فهو أبو المؤمنينَ؛ كما جاء في قراءةِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ في هذه الآيةِ؛ قال:(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبُوهُمْ)(٣)، والأنبياءُ آباءٌ للمؤمنينَ أبوَّةً دينيَّةً؛ كما قال تعالى عن إبراهيمَ: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج: ٧٨]، وحُرمةُ النبيِّ كحُرْمةِ الوالدِ وأعظَمُ.
وإنَّما سُمِّيَت أزواجُ النبيِّ ﷺ بـ (أُمَّهَاتِ المؤمنينَ)، ولم يُسَمَّ النبيُّ ﷺ بـ (أبي المؤمنينَ)، مع أنَّ أُمُومَتَهُنَّ منه؛ لأنَّ الرجلَ يُسمَّى
(١) "التلخيص الحبير" (٣/ ١٣٩)، و"تفسير الآلوسي" (٢١/ ١٥١). (٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٤/ ٣٧). (٣) "فضائل القرآن" لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص ٣٢٢)، و"الدر المنثور" (٨/ ١٠٨).