وقوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ هي مِن ألفاظ الاستغفارِ لبني إسرائيلَ؛ أُمِرُوا بها عندَ الدخولِ؛ يُقالُ: حَطَّ اللهُ عنك خطايَاك، فهو يحُطُّها حِطَّةً؛ روى ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ؛ قال سعيد بنُ جُبَيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: حِطَّةٌ: مغفرةٌ. وبه قال: استغفِروا اللهَ (١).
وهو قولُ أكثرِ المفسِّرينَ مِن السلفِ؛ ويؤيِّدُ هذا أنَّه قال بعدَ ذلك: ﴿نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾؛ أي: استغفِروا ليُغفَرَ لكم، ولكنَّهم خالَفُوا أمرَ اللهِ، فزحَفُوا على أَسْتَاهِهِمْ؛ أي: مَقَاعِدِهم؛ كما في "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ ﵁؛ يقولُ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ , فَبَدَّلُوا؛ فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ)(٢).
وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ أقوَى أنواعِ التوبةِ: تلك التي يجتمِعُ فيها عملُ القلبِ وعملُ الجوارحِ وقولُ اللسانِ؛ ولذا أمَرَهم اللهُ بالسجودِ، وأمَرَهُمْ بقولِ:"حِطَّةٌ"، ولا بدَّ مِن عملِ القلبِ؛ لأنَّه أصلُ الامتثالِ بهذه المأموراتِ، وأنَّ هذا هو أعظمُ الإحسانِ؛ ولذا قال: ﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾، مع أنَّ الإتيانَ بالأعمالِ الصالحةِ في ذاتِه مكفِّرٌ للسيِّئاتِ؛ لقولِه: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤].