سُوْرَةُ المُدَّثِّر سورةٌ مكيَّةٌ باتِّفاقِهم (١)، وقد نزَلت بعدَ سورةِ "اقرَأْ"، وفي البخاريِّ ومسلم؛ أنَّ جابرًا عَدَّها أولَ شيءٍ: نزَلَ (٢)، والأكثرُ على أنَّها نزَلت بعدَ "اقرَأْ"، وقد روى جابرٌ ﵁؛ قال: إنَّ النبيَّ ﷺ قال: (بَيْنَا أنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُوني زَمِّلوني، فَدَثَّرُوني؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾)(٣).
وفي السورةِ: بدايةُ البعثِ وإرسالِ النبيِّ ﷺ إلى قومِه، وفيها وصايا مِن اللَّهِ له قبلَ رسالتِهِ ومعها ممَّا يُعِينُهُ على مَرْضاةِ اللَّه ويُثبِّتُهُ على أمرِهِ ونهيِه، وفيها تذكيرٌ بالآخرةِ وتزهيدٌ في المكذِّبينَ لها وتحقيرٌ لحُجَجِهم وأهوائِهم، وفي هذا تثبيثٌ للدَّاعي على دَعْوتِه؛ أنْ يَعلَمَ قَدْرَ مَن يُقابِلُهُ، وعِظَمَ عاقبةِ النبيِّ وسوءَ عاقبةِ عدوِّه.