والأصلُ في الفرائضِ في الدِّينِ: الأعلانُ، وأنَّه أفضلُ مِن الإسرارِ، وقد حكى الإجماعَ على هذا ابنُ جريرٍ، إلا الزكاةَ (١)؛ ففيها خلافٌ عندَ السلفِ؛ وذلك لأنَّ الفرضَ يحتاجُ إلى التواصي وعدَمِ التواكُلِ، ولكونِها شعائِرَ دينيَّةً تحتاجُ إلى إظهارِها ليَقتدِيَ بذلك الناسُ، ولا يَجِدَ ضعيفُ الإيمانِ والمنافِقُ بابًا للخروجِ عن أدائِها بدعوى الإسرارِ، وحتَّى لا يُحسَنَ الظنُّ بصاحبِ السُّوءِ، فتتعطَّلَ بذلك مَقاصِدُ الشريعةِ.
والأحاديثُ كثيرةٌ في فضلِ إخفاءِ النوافلِ صَدَقةً وصلاةً وغيرَها، ومِن السَّبْعَةِ الذين يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ:(رَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ)؛ كما جاء في حديثِ أبي هُرَيْرَةَ ﵁ في "الصحيحَيْنِ"(٢)؛ ولذا كانت نافِلةُ الليلِ أعظَمَ مِن نافلةِ النهارِ؛ لخفائِها والخَلْوةِ فيها، وأعظَمُ ما ينفي النِّفاقَ، ويدفَعُ الرِّياءَ: عبادةُ السِّرِّ.