يُهاجِرْ وبَقِيَ في مكَّةَ، فأخرَجَهُ المشرِكُونَ معَهُ للقتال، فأخَذُوا حُكْمَهم؛ فأسَرَهمُ النبي ﷺ كما أسَرَ المشرِكِين.
ولذا فإنَّ النبيَّ ﷺ قال للعبَّاسِ لمَّا أُسِرَ في بدرٍ:(افْدِ نَفسَكَ وَابنَي أَخِيكَ)، فقال العبَّاسُ: ألَم نُصَلِّ إلى قِبلَتِك، ونَشهَد شهَادَتَك؟ فقال النبي ﷺ:(يَا عَبَّاسُ، إِنكَمْ خَاصَمتُم فَخُصِمتُم)، فتلا عليه قوله: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ (١).
مَن وقَفَ في صفِّ المشرِكِين:
وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أن مَن وقفَ في صَفِّ المشرِكِينَ المحارِبينَ مِن المسلِميِنَ وهو يَعلَمُ ولو مُكرَهًا -: أخَذَ حُكمَهُم في دَمِهِ ومالِه، ومَن بقِيَ في دارِ الحربِ مِنَ المسلِمِينَ ممَّن ترَكَ الهجرةَ، لم يكُنْ مجرَّدُ بقائِه كفرًا في ذاتِه؛ كما نصَّ عليه الشافعي في "الأم".
مخالَطَة المشرِكِ:
ومَن خالَطَ المُشرِكَ وجالسهُ ولم يكُنِ المشرِك حربيًّا وليس بينَهُ وبينَ المسلِمينَ عداوةٌ ظاهرةٌ ولا قتالٌ -: فلا يأخُذُ حُكمَهُ ولو كانتِ الهجرةَ واجبةً عليه؛ لأنه قد يَجتمِعُ به على تجارةٍ أو زراعةٍ أو قَرابةٍ، وأمَّا ما رَوَاهُ أبو داودَ، عن سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ؛ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن جَامَعَ المشرِكَ وَسَكَنَ مَعَه، فَإِنَّهُ مثلهُ)(٢)، فلا يَصِحُّ.
(١) "تفسير الطبري" (٧/ ٣٨٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠٤٧). (٢) أخرجه أبو داود (٢٧٨٧) (٣/ ٩٣). (٣) ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٦٦٣٠) (٧/ ٣٤٨)، والنسائي (٤٧٨٠) (٨/ ٣٦)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٢٦٥) (٢/ ٣٠٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ١٣٠).