حِفْظِها، شدَّدَ اللهُ فيها أنْ تُخلَطَ بغيرِها قَصْدَ الإضرارِ بها والتكثُّرِ بها والإفسادِ لها؛ كمَن يَخلِطُ مالَهُ بمالِ اليتيمِ لِيَأْكُلَهُ، أو لأنَّ مالَهُ قليلٌ ومالَ اليتيمِ كثيرٌ، أو مالَهُ رديءٌ ومالَ اليتيمِ جيِّدٌ وطيِّبٌ؛ ليتقاسَمَهُ بعدَ ذلك؛ فيكونَ الطيِّبُ مِن نصيبِه، والخبيثُ مِن نصيبِ اليتيمِ؛ فيُبْدِلَ هذا بهذا.
وقال سعيدُ بنُ المسيَّبِ والزهريُّ: "لا تُعْطِ مَهْزولًا، وتأخُذَ سَمِينًا" (١).
وقال إبراهيمُ النَّخَعيُّ والضحَّاكُ: "لا تُعْطِ زائفًا، وتأخُذَ جيِّدًا" (٢).
وجنسُ أكلِ مالِ اليتيمِ أعظَمُ مِن جنسِ أكلِ مالِ الرِّبا؛ لأنَّ مالَ اليتيمِ يُؤخَذُ عن جهلٍ وضعفٍ، أو قهرٍ وغلَبةٍ، ويستتِرُ بأكلِهِ عن الناس، ويُؤكَلُ بالتحايُلِ وتأكُلُهُ النفوسُ الضعيفةُ الدنيئةُ، بخلافِ الرِّبا؛ فكثيرًا ما يُؤخَذُ عن رِضًا وتوافُقٍ، والنفوسُ تَعَافُ أكلَ مالِ اليتيمِ؛ لِمَا جُبِلَتْ عليه مِن الرحمةِ والأنَفةِ عن الضعيف، ولأنَّ اليتيمَ غالبًا ما يكونُ في كفالةِ ذي الرحمِ؛ لذا كان أكلُ مالِ اليتيمِ أقَلَّ وقوعًا وانتشارًا بخلافِ الرِّبا؛ لذا جاءَتِ النصوصُ في الوعيدِ في الرِّبا أكثَرَ وأشَدَّ مِن مالِ اليتيمِ؛ لأنَّ الرِّبا بلاءٌ عامٌّ، وأكْلَ مالِ اليتيمِ بلاءٌ خاصٌّ.
والشريعةُ تُعظِّمُ الذنبَ الذي ينتشرُ ويَشِيعُ، وتُشدِّدُ فيه أكثَرَ مِن غيرِهِ ولو كان أشَدَّ منه؛ ولهذا قُدِّمَ في الحديثِ أكلُ الرِّبا على أكلِ مالِ اليتيمِ؛ كما في البخاريِّ؛ قَالَ النبيُّ ﷺ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيم، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٣٥٢)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٥٥٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٥٥).(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٣٥٢)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٥٥٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٥٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute