والنهيُ عنِ الكلامِ في الصلاةِ كان بِمَكَّةَ قبلَ الهجرةِ، والآيةُ مدنيَّةٌ أَكَّدَتِ الحُكْمَ وثَبَّتَتْهُ، وربَّما استدَلَّ به زيدٌ على الحُكْمِ، وهذا لا يُنافي ثبوتَهُ سابقًا، وهذا يَرِدُ كثيرًا في تفسيرِ السلفِ؛ يستدِلُّونَ بدليلٍ نزَلَ في مناسَبةٍ لاحقةٍ على ما يشابِهُها مِن المناسَباتِ السابقةِ، فيَذْكُرونَ الدليلَ بِما يُفهَمُ منه أنَّه سببُ النزولِ فيها؛ فيُظَنُّ أنَّ السلفَ اختَلَفُوا في سببِ النزولِ.
وقد جاءَ عنِ ابنِ مسعودٍ؛ قال: "كنَّا نُسَلِّمُ على النبيِّ ﷺ قبلَ أنْ نُهاجِرَ إلى الحَبَشةِ، وهو في الصَّلَاةِ، فيَرُدُّ علينا، قال: فلمَّا قَدِمْنَا، سَلَّمْتُ عليه، فلم يَرُدَّ عَلَيَّ، فأَخَذَني مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، فلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّي لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، وإنَّ اللهَ ﷿ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَلَّا يُتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ" (٢).