سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأُتُوبُ إِلَيْهِ؛ فَقَدْ رَأَيْتُهَا: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١]؛ فَتْحُ مَكَّةَ، ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ [النصر: ٢]؛ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾) (١).
وقد كان جماعةٌ مِن الصحابةِ يُفسُرونَها بظاهرِها، وكان عمرُ وابنُ عبَّاسٍ وغيرِّهما يَعلَمونَ منها نَعْيَ النبيِّ ﷺ والشعورَ بقُرْبِ أجَلِه، وفي ذلك يقولُ ابنُ عبَّاسٍ: "كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ ! فَقَالَ: إنَّهُ مِمَّن قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَاني مَعَهُمْ، قَالَ: وَمَا رئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. . .﴾ [النصر: ١، ٢] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ؟ فَقَالَ بَعْضهُمْ: أُمِرنَا أن نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَينَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيئًا، فَقَالَ لِي: يَا بْنَ عَبَّاسٍ، أكَذَاكَ تَقولُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُو أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمَهُ اللَّه لَهُ: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾؛ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾، قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ" (٢).
والمرادُ لذلك: الإكثارُ مِن العبادةِ عمومًا عندَ كمالِ النِّعْمةِ وتمامِها، وعندَ الكبَرِ والشعورِ بدُنُوِّ الأَجَلِ ولو مِن مرضٍ عاجلٍ
(١) أخرجه مسلم (٤٨٤).(٢) أخرجه البخاري (٤٢٩٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute