وروى البخاريُّ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال:"كان المالُ للوَلَدِ، وكانتِ الوصيَّةُ للوَالِدَيْنِ؛ فنسَخَ اللهُ مِن ذلكَ ما أَحَبَّ"(١).
ونسَخَ اللهُ الوجوبَ، ولم يَنْسَخِ الفضلَ والعملَ به؛ وإنَّما نسَخَ اللهُ التأكيدَ والإلزامَ في قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ﴾.
وآيةُ المواريثِ لا تدُلُّ على ما يُخالفُ آيةَ الوصيَّةِ؛ لأنَّ الوصيَّةَ تكونُ في بعضِ المالِ، والإرثَ في باقِيهِ؛ وذلك لقولِهِ تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ﴾ [النساء: ١٢].
القولُ الثاني: وجوبُ الوصيَّةِ وإحكامُ الآيةِ، وعدمُ نسخِها بكاملِها، وأنَّ ما نُسِخَ هو فرضُ الوصيَّةِ للوارثِ فحَسْبُ؛ لأنَّ قَسَمَ له حقَّه وبيَّنَهُ له؛ وهو قولُ الحسَنِ، والضحَّاكِ، وطاوسِ بنِ كَيْسانَ، وقال به الطبريُّ وغيرُهُ (٢).
يُريدُ: أنَّ النبيَّ ﷺ لمَّا كان لا يُورَثُ، فكذلك لا يُوصِي بمالِه، ولكنَّه أوصَى بما يعودُ على المسلِمِينَ بالتمسُّكِ بكتابِ الإسلامِ، وقد كان مِن عادةِ المسلِمِينَ أنْ يقولُوا للمريضِ إذا خِيفَ عليه الموتُ:"أَوْصِ".