لمَّا جاء موسى إلى مَدْيَنَ، ورَدَ موضعَ ماءٍ يجتمعُ الناسُ عليه لِيَسْقُوا، وقد هيَّأَ اللَّهُ لموسى خروجَ المرأتينِ ليكونَ بدايةً لصلاحِ أمرِهِ وأمانِه.
قولُه تعالى: ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾: قال: ﴿مِنْ دُونِهِمُ﴾؛ أي: ليستَا معهم؛ للدَّلَالةِ على أنَّ المرأةَ لا تَختلِط بمَجامِعِ الرِّجالِ، بل تَعتزِلُهم، فقد كانتَا تَذُودَانِ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ:"يعني لذلك حابستَيْنِ غَنَهما"(١)، وقال أبو مالكٍ:"تَحبِسانِ غنَمَهما حتى يفرُغَ الناسُ وتَخْلُوَ لهما البئرُ"(٢).
ويظهَرُ هذا في قولِهما: ﴿لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾، وفي هذا استحبابُ عَرضِ قضاءِ حاجةِ المرأةِ عندَ ظهورِ تعطيلِها؛ لأنَّهُنَّ غالبًا يَمنعُهُنَّ حياؤُهُنَّ عن طلبِ مُسَاعدةِ الرِّجالِ.
وقولُهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ دليلٌ على ما سبَقَ؛ ففيه بيانُ عُذرِهما بحضورِهما إلى هذا الموضعِ مِن مواضعِ الرجالِ، ويُرِدْنَ بذلك
(١) "تفسير الطبري" (١٨/ ٢٠٨)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣٩٦٢). (٢) "تفسير الطبري" (١٨/ ٢٠٩)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٢٩٦٣).