وإن لم تَشهَدْ على نفسِها، وامتنعَتْ ناكِلةً، فقد اختُلِفَ في الحدِّ المقصودِ في قولِه تعالى: ﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾:
فجمهورُ العلماءِ: على أنَّ المرادَ بالعذابِ هو حدُّ الزِّنى.
خلافًا لأبي حنيفةَ؛ فإنَّه لم يَجعَلِ العذابَ في الآيةِ حَدًّا؛ وإنَّما جعَلَهُ تعزيرًا فقال بحَبْسِها حتى تُلاعِنَ، ودفَعَ عنها الدمَ بأنَّ الأصلَ عِصْمةُ الدمِ؛ كما في حديثِ:(لَا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسْلِمٍ)(١)، ولا بدَّ مِن بيِّنةٍ، والنكولُ ليس ببيِّنةٍ تُوجِبُ سفكَ الدمِ، وإلى قولِهِ ذهَبَ بعضُ الفقهاءِ مِن الشافعيَّةِ؛ كالجُوَيْنِيِّ، وبعضُ الفقهاءِ مِن المالكيَّةِ؛ كابنِ رشدٍ.
ولا يختارُ الموتَ ويترُكُ اليمينَ في مِثلِ هذه الحالِ إلَّا مَن قام الحقُّ عليه، ومنَعَهُ مِن اليمينِ عاقبتُها وشؤمُها في الدارَيْنِ.
المرحلة الرابعةُ: التفريقُ بينَ المتلاعنَيْنِ بعدَ اللِّعانِ؛ وذلك لقولِهِ ﷺ لعُوَيمِرٍ العَجلَانِيِّ:(لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا)(٢)، وقد اختلَفَ العلماءُ في سببِ التفريقِ: هل هو حُكْمٌ لازِمٌ في الشرعِ فيكونَ أبديًّا، أو لأجلِ حُكْمِ الحاكمِ فيه؟ على قولَيْنِ:
قال بالتفريقِ شرعًا مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ، وقال بالتفريقِ بحُكْمِ الحاكمِ أبو حنيفةَ.