وقد قال مجاهدٌ في هؤلاء:"فحدِّثونَ عُيونٌ غيرُ المُنافِقينَ"(١).
وقال قَتادةُ:"وفيكم مَن يَسمَعُ كلامَهم ويُطيعُهم"(٢).
وقد يكونُ في المؤمِنِينَ مَن تُغيِّبُ نفسُهُ عَلَاماتِ النِّفاقِ عن المُنافِق، فلا يَرى إلَّا قرابَتَهُ إنْ كان قريبًا، أو وَطَنِيَّتَهُ إنْ كان بَلَدِيًّا له، أو يتأثَّرُ بما يُظهِرُهُ مِن حَمِيَّةٍ وغَيْرةٍ على المُسلِمينَ وهو يُبطِنُ غيرَها، وقد قال ابنُ إسحاقَ:"في المُسلِمِينَ قومٌ أهلُ مَحَبَّةٍ للمُنافِقينَ وطاعةٍ فيما يَدْعُونَهم إليه؛ لِشَرَفِهم فيهم"(٣).
وهذه الفئةُ مِن المؤمنينَ يَصْلُحُ أمرُهم، ولا مَضَرَّةَ منهم لو غابَ المنافِقونَ عنهم، وقد امتَنَّ اللهُ على المُسلِمينَ بغِيابِ المُنافِقينَ عن صفِّهم؛ حتَّى لا يَجِدُوا مِثْلَ هؤلاء، فيُؤثِّروا فيهم، فيُضِرُّوا بلُحْمةِ المؤمنينَ وجماعتِهم.
وقد بيَّن اللهُ أنَّ في المؤمنِينَ من هم مُنقادونَ بلا تفكُّرٍ؛ فإنْ سَمِعوا المُنافِقينَ، انقادُوا لهم، وإنْ سَمِعوا المؤمنينَ، انقادُوا لهم، وليس الشَّرُّ متأصِّلًا فيهم، وهؤلاء يُرفَق بهم، ولا يُجعَلون كحالِ المُنافِقينَ؛ فتَحْمِلَهم الجهالةُ وحميَّةُ الشيطان، فيَتمسَّكوا بالشرِّ فيَصيروا حَمَلَةً له.