وعطاءٌ يَستحِبُّ ذلك ولا يُوجِبُهُ، فهو يُخيِّرُ مَن لا يَسمَعْ الإمامَ في الجهريَّةِ بينَ القراءةِ والتسبيح؛ كما رواهُ عنه ابن جُرَيْجِ نفسُهُ؛ حيثُ قال: "إِذَا لَمْ تَفْهَمْ قِرَاءَةَ الْإِمَام، فَاقْرَأُ إِن شِئْتَ أَو سَبِّحْ"؛ أخرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ (٢)، وروى بهذا الإسنادِ عنه؛ قال: "يُجْزِي قِرَاءَةُ الْإِمَامِ عَمَّنْ وَرَاءَهُ، قُلْتُ: عَمَّن تَأْثِرُهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، وَلَكِنَّ الْفَضَائِلَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَأْخُدُوا بِهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ تَقْرَؤُوا مَعَهُ" (٣)، وعن ابنِ جُرَيْجٍ أيضًا؛ قال: قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيُجْزِي عَمَّنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ قِرَاءَتُهُ فِيمَا يَرْفَعُ بهِ الصَّوْتَ وَفِيمَا يُخَافِتُ؟ قَالَ: نَعَمْ (٤).
والقولُ بأنَّ عطاءً يُوجِبُ القراءةَ خلفَ الإمامِ؛ لقولِهِ بالقراءةِ في السَّكَتاتِ - تلفيقٌ بينَ أحدِ أقوالِه مع قولِ غيرِه؛ وهذا لا يستقيمُ لعارفٍ بالرِّواية، ولا بصيرٍ بالدِّرايةِ.
ومَن تأمَّلَ أقوالَ الصحابةِ والتابعين، وجَدَ أنه لا يثبُتُ عن واحدٍ منهم إبطالُ الصلاةِ بتركِ القراءةِ خلفَ الإمامِ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّهم لم يكونوا يَحمِلونَ حديثَ الأمرِ بقراءةِ الفاتحةِ والقولَ بركنيَّتِها على الصلاةِ الجهريَّة، وأنَّ عامَّتَهُمْ على عدمِ القراءةِ فيها للمأمومِ.
(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٧٨٨). (٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٧٧٩). (٣) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٨١٦). (٤) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٨١٨).