ونتائجها، وفيه رمز خفي إلى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا حول ولا قوة إلا باللَّه كنز من كنوز الجنة)(١)، وهذه الجملة على وزان قوله تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: ٢] باعتبار انتفاعهم بها، وإلا فالإيضاح والإظهار عام شامل للكل مَن أراد أو لم يرد، وقصد أو لم يقصد.
وقوله:(أما بعد) قال الزّجّاج: مقام استعمال (أما بعد) هو أن يسوق المتكلم كلامًا على أسلوب فيريد أسلوبًا آخر فيقول: أما بعد، وقال بعضهم: تقدير الكلام أما الثناء على اللَّه والصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو ما ذكر، أما بعد الثناء والصلاة فهو كذا، فيكون في المعنى لتفصيل ما أجمل، والمشهور أنه في ابتداء الكلام يكون للاستئناف، وذكر هذه الكلمة مسنون في الخطبة، وقد كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول في الخطبة بعد الثناء على اللَّه بما هو أهله:(أما بعد، فإن خير الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي محمد. . .)(٢)، الحديث.
واختلفوا في أول من تكلم بها فقيل داود -عليه السلام-، وقال الشيخ في (فتح الباري)(٣): أخرجه الطبراني مرفوعًا عن أبي موسى الأشعري، وقال: في إسناده ضعف، وأخرج موقوفًا عن الشعبي: أن فصل الخطاب الذي أوتي داود عليه السلام كما قال اللَّه سبحانه: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}[ص: ٢٠] هو هذه الكلمة، وقيل: يعقوب -عليه السلام-، وقيل: أول من تكلّم بها يعرب بن قحطان، وقيل: كعب بن لؤي، وقيل: قس بن ساعدة، وقيل: سحبان بن وائل، وقد أشار إلى ذلك فيما ينسب إليه من البيت من قوله:
(١) انظر: "صحيح البخاري" (٤٢٠٥)، و"صحيح مسلم" (٢٧٠٤). (٢) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٨٦٧)، وأحمد في "مسنده" (٣/ ٣٧١)، وابن حبان في "صحيحه" (١٠). (٣) (٢/ ٤٠٤).