فإن قيل: محمول على أنهم تساووا في الفقه، وانفرد بعضهم بالقرآن؛ لأن القوم كانوا يتعلمون القرآن بأحكامه.
قيل له: هذا لا يصح لوجهين:
أحدهما: أن هذا الكلام لم يخرج مخرج المواجهة للصحابة - رضي الله عنهم -، وإنما هو خطاب عامٌّ لهم ولغيرهم.
والثاني: أنه رتب، فقال - عليه السلام -: "فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة"، فعلم أن أول الخبر لم يقتض مساواتهم في الفقه.
وأيضًا: روى أبو بكر النجاد بإسناده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليؤذِّنْ لكم خيارُكم، وليؤمَّكُم أقرؤكم"(١).
وروى أيضًا باسناده عن عمرو بن سلمة - رضي الله عنه - قال: كنا بحاضر يمرُّ بنا الناس إذا أتوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا إذا مروا بنا، فأخبرونا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كذا، وكنت غلامًا حافظًا، فحفظت من ذلك قرآنًا كثيرًا، فانطلق أبي وافدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومه، فعلَّمهم الصلاة، وقال:"يؤمُّكم أقرؤكم"، فكنت أقرأهم؛ لما كنت أحفظ، فقدَّموني، فكنت أؤمهم وعليَّ بردةٌ … الخبر (٢).
وروى أيضًا بإسناده عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كانوا
(١) مضى تخريجه في (٢/ ٣٧٥). (٢) مضى تخريجه في (١/ ١٥٠).