قيل له: قوله تعالى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} نص على حال المضطر، وكأنه قال: فمن اضطر في مخمصة في حال لا يكون متجانفًا لإثم، فإذا كان كذلك، لم يجز أن يكون المراد به: إثم الشبع، والزيادة (١) على سد الرمق؛ لأن هذا الإثم يحصل بعد ارتفاع الضرورة، فلا يجوز اقترانه بحال الضرورة، وإلا به يقتضي إثمًا (٢) في حال الضرورة.
فإن قيل: الأكل مضمر في الآية، فكأنه قال: فمن اضطر في مخمصة، فأكل غير متجانف لإثم بالأكل.
قيل له: نحن نسلِّم أن الأكل مضمر؛ لأنا نعلم أن قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، معناه: أكلُها، وليس إذا كان مضمرًا مما يجب حمل تجانف الإثم بالأكل؛ للمعنى الذي ذكرنا، وهو أنه نصب على حال المضطر، ولا يكون مضطرًا وقد حصل الشبع، فيحصل تقديره: فمن اضطر في حال لا يكون متجانفًا لإثم، فأكل، فإن الله غفور رحيم.
وأيضًا: قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}[البقرة: ١٧٣]، فأباح أكل الميتة بشرطين: أحدهما: الاضطرار. والثاني: أن يكون غير باغٍ ولا عادٍ، وهذا باغٍ وعادٍ، فلا يجوز له أكلها.
فإن قيل: هذه الآية محتملة (٣)؛ لأن السلف تنازعوا في
(١) في الأصل: ولزياده. (٢) في الأصل: إثم. (٣) في الأصل: محملة.