ونفض التراب وإزالة الشعث تحصل بذلك أيضاً، وقتل الهوام لا يعلم حصوله، ولا يصح قياسه على الورس؛ لأنه طيب، ولذلك لو استعمله في غير الغسل، أو في ثوب لمنع منه، بخلاف مسألتنا».
وقال أيضاً (٥/ ١١٥): «مسألة؛ قال: ولا يتفلى المحرم، ولا يقتل القمل، ويحك رأسه وجسده حكاً رفيقاً.
اختلفت الرواية عن أحمد ﵀ في إباحة قتل القمل، فعنه إباحته؛ لأنه من أكثر الهوام أذى، فأبيح قتله، كالبراغيث وسائر ما يؤذي، وقول النبي ﷺ: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم»، يدل بمعناه على إباحة قتل كل ما يؤذي بني آدم في أنفسهم وأموالهم. وعنه: أن قتله محرم. وهو ظاهر كلام الخرقي، لأنه يترفه بإزالته عنه، فحرم كقطع الشعر، ولأن النبي ﷺ رأى كعب ابن عجرة والقمل يتناثر على وجهه، فقال له:«احلق رأسك». فلو كان قتل القمل أو إزالته مباحاً، لم يكن كعب ليتركه حتى يصير كذلك، أو لكان النبي ﷺ أمره بإزالته خاصة. والصئبان كالقمل في ذلك، ولا فرق بين قتل القمل، أو إزالته بإلقائه على الأرض، أو قتله بالزئبق، فإن قتله لم يحرم لحرمته، لكن لما فيه من الترفه، فعم المنع إزالته كيفما كانت ولا يتفلى، فإن التفلي عبارة عن إزالة القمل، وهو ممنوع منه.
ويجوز له حك رأسه ويرفق في الحك، كيلا يقطع شعراً، أو يقتل قملة، فإن حك فرأى في يده شعراً، أحببنا أن يفديه احتياطاً، ولا يجب عليه حتى يستيقن أنه قلعه. قال بعض أصحابنا: إنما اختلفت الرواية في القمل الذي في شعره، فأما ما ألقاه من ظاهر بدنه، فلا فدية فيه.
فصل: فإن خالف وتفلى، أو قتل قملاً، فلا فدية فيه؛ فإن كعب بن عجرة حين حلق رأسه، قد أذهب قملاً كثيراً، ولم يجب عليه لذلك شيء، وإنما وجبت الفدية بحلق الشعر، ولأن القمل لا قيمة له، فأشبه البعوض والبراغيث، ولأنه ليس بصيد، ولا هو مأكول، وحكى عن ابن عمر قال: هي أهون مقتول. وسئل ابن عباس، عن محرم ألقى قملة، ثم طلبها فلم يجدها؟ فقال: تلك ضالة لا تبتغى. وهذا قول طاووس، وسعيد بن جبير، وعطاء، وأبي ثور، وابن المنذر. وعن أحمد في من قتل قملة، قال: يطعم شيئاً. فعلى هذا أي شيء تصدق به أجزأه، سواء قتل كثيراً أو قليلاً. وهذا قول أصحاب الرأي. وقال إسحاق: تمرة فما فوقها. وقال مالك: حفنة من طعام. وروى ذلك عن ابن عمر. وقال عطاء: قبضة من طعام. وهذه الأقوال كلها ترجع إلى ما قلناه، فإنهم لم يريدوا بذلك التقدير، وإنما هو على التقريب لأقل ما يتصدق به». هكذا قال ابن قدامة، وقد سبق بيان الصواب في ذلك.
وقال ابن تيمية: ومما يُنهى عنه المحرم: أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه،